الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَوۡاْ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمۡلِ قَالَتۡ نَمۡلَةٞ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمۡ لَا يَحۡطِمَنَّكُمۡ سُلَيۡمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (18)

ثم قال : { حتى إذا أتوا على واد النمل }[ 18 ] ، يعني{[51965]} أتى سليمان وجنوده على واد النمل ، وهو واد كان بالشام نمله{[51966]} على قذر الذباب{[51967]} ، { قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم } أي بيوتكم { لا يحطمنكم سليمان وجنوده }[ 18 ] ، أي يكسرنكم . { وهم لا يشعرون }[ 18 ] ، أي يكسرونكم بوطئهم غير عالمين بكم . فتكون الجملة في موضع الحال{[51968]} من سليمان وجنوده ، والعامل في الحال يحطمنكم ، ويجوز أن تكون الجملة حالا من النملة ، ويكون{[51969]} العامل في الحال : قالت أي{[51970]} قالت نملة ذلك في حال غفلة الجنود ، كما تقول{[51971]} : قلت خيرا والناس نيام .

وقيل : إن قوله : { وهم لا يشعرون }[ 18 ] ، راجع إلى النمل . أي والنمل لا يشعر{[51972]} أن سليمان يفهم مقالتها ، فتكون{[51973]} حالا من النملة{[51974]} أيضا والعامل فيه : قالت . كما تقول : شتمتك وأنا غير عالم بك . أي شتمتك في حال{[51975]} جهلي{[51976]} بك . ولما فهم{[51977]} سليمان قول النمل{[51978]} وصارت بمنزلة من يعقل في الفهم عنها ، أخبر عنها كما يخبر عن من يعقل ، فلذلك قال : { قالت } ، وقال : { ادخلوا } ولذلك أضاف إلى الطير منطقا في قوله : { علمنا منطق الطير }[ 16 ] .

وروي : أن الله جل ذكره : فهم سليمان كلام الإنس باختلاف{[51979]} لغاتها ، وفهمه كلام الطير{[51980]} والبهائم ، وكان إذا أراد أن يسير على الأرض أمر بالكرسي فوضع له فجلس عليه ، ثم أمر بكراسي فوضعت لأصحابه فأجلس عليها من أراد ، فالذين يلونه الإنس ، ثم الجن ، ثم الشياطين{[51981]} ثم يأمر{[51982]} الريح فتحملهم بين السماء والأرض ، وإذا أراد صار على الخيل في الأرض{[51983]} ، فبينما سليمان ذات يوم{[51984]} يسير بين أيدي الناس على الأرض ، ورجلان معه أحدهما ختنه{[51985]} : زوج ابنته ، والآخر عن يساره من أهل مملكته كريم عليه ، ولم يكن أحد يسير بين يديه تواضعا لله ، إذ مر على واد النمل وهو واد{[51986]} فيه نمل ، فسمع نملة تقول : { يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده }[ 18 ] ، وكان{[51987]} قد أعطى الله سليمان زيادة في ملكه ألا يذكره{[51988]} أحد إلا حملت الريح ذلك الكلام إليه حتى يسمعه ، فلما فهم سليمان كلام النمل تبسم ووقف فوقف الناس معه ، فقال الرجلان : ما يضحك نبي الله ؟ فأخبرهما بكلام النملة ، فلم يزل واقفا حتى دخلت النمل{[51989]} مساكنها ثم سار{[51990]} .

وروى الأعمش عن{[51991]} نوف{[51992]} أنه قال : كانت نمل{[51993]} سليمان أمثال الذباب ، وكانت هذه النملة مثل الذيب في العظم{[51994]} .


[51965]:"من يعني....النمل" ساقط من ز.
[51966]:ز: نملة.
[51967]:قال الحافظ ابن كثير: "ومن قال من المفسرين: إن هذا الوادي كان بأرض الشام أو بغيره، وإن هذه النملة كانت ذات جناحين كالذباب أو غير ذلك من الأقاويل، فلا حاصل لها" انظر: 5/227.
[51968]:انظر: إعراب القرآن للدرويش 7/180.
[51969]:ز: وتكون.
[51970]:"أي" سقطت من ز.
[51971]:ز: يقول.
[51972]:ز: تشعر.
[51973]:ز: فيكون.
[51974]:ز: النمل.
[51975]:ز: رجال.
[51976]:ز: جهل.
[51977]:ز: ولم يفهم.
[51978]:ز: النملة.
[51979]:ز: بالختلاف.
[51980]:"الطير و.." سقط من ز.
[51981]:بعده في ز: "ثم طير".
[51982]:ز: أمر.
[51983]:"في الأرض" سقط من ز.
[51984]:"ذات يوم" سقط من ز.
[51985]:انظر: اللسان 13/138 مادة: ختن.
[51986]:ع: واد.
[51987]:"كان" سقطت من ز.
[51988]:ز: بذكر.
[51989]:ز: النملة.
[51990]:وردت القصة بالسيرة الحلبية ج1/254 لكن بكل تفاصيلها. [المدقق].
[51991]:انظر: ابن جرير: 19/142.
[51992]:ز: أيوب، ع: نوف، والصواب: عوف. انظر: ابن جرير19/142، وفي الدر: "نوف".
[51993]:ز: نملة.
[51994]:انظر: ابن كثير 5/227، رواية عن الحسن، والدر19/347 رواية عن نوف.