لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَوۡاْ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمۡلِ قَالَتۡ نَمۡلَةٞ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمۡ لَا يَحۡطِمَنَّكُمۡ سُلَيۡمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (18)

قيل إن سليمان استحضر أميرَ النمل الذي قال لقومه : { ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ } وقال له : أمَا عَلِمْتَ أَنِّي معصومٌ ، وأَنَّي لن أُمَكِّنْ عسكري مِنْ أَنْ يطؤوكم ؟ فأخبره أميرُ النمل أنّه لا يعلم ذلك ؛ لأنه ليس بواجبٍ أن يكون النملُ عالماً بعصمة سليمان . ولو قال : لعلكم أبيح لكم ذلك . . لكان هذا أيضاً جائزاً .

وقيل إن ذلك النمل قال لسليمان : إني أَحْمِلُ قومي على الزهد في الدنيا ، وخَشِيتُ إِنْ يَرَوْكُم في مُلْكِكم أَنْ يرغبوا فيها ، فأَمَرْتُهم بدخول مساكنهم لئلا يتشوَّشَ عليهم زُهْدُهُم . ولَئِنْ صَحَّ هذا ففيه دليلٌ على وجوب سياسة الكبار لِمَنْ هو في رعيتهم . وفي الآية دليلٌ على حسْنِ الاحتراز مِمّا يُخْشَى وقوعُه ، وأَنَّ ذلك مما تقتضيه عادةُ النّفْسِ وما فُطِرُوا عليه من التمييز .

ويقال إن ذلك النمل قال لسليمان : ما الذي أعطاك اللَّهُ من الكرامة ؟

فقال : سَخّرَ لي الريحَ .

فقال : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإشارة فيه أنه ليس بيدك مما أُعْطِيتَ إلا الريح ؟

وهكذا بيَّنَه الكبيرُ على لسان الصغير ! .