{ إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا } لأنه قد أزف مقبلا ، وكل ما هو آت فهو قريب .
{ يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } أي : هذا الذي يهمه ويفزع إليه ، فلينظر في هذه الدنيا إليه{[1347]} ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } الآيات .
فإن وجد خيرا فليحمد الله ، وإن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ، ولهذا كان الكفار يتمنون الموت من شدة الحسرة والندم .
وهو الإنذار الذي يوقظ من الخمار : ( إنا أنذرناكم عذابا قريبا ) . . ليس بالبعيد ، فجهنم تنتظركم وتترصد لكم . على النحو الذي رأيتم . والدنيا كلها رحلة قصيرة ، وعمر قريب !
وهو عذاب من الهول بحيث يدع الكافر يؤثر العدم على الوجود : ( يوم ينظر المرء ما قدمت يداه . ويقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا ) . . وما يقولها إلا وهو ضائق مكروب !
وهو تعبير يلقي ظلال الرهبة والندم ، حتى ليتمنى الكائن الإنساني أن ينعدم . ويصير إلى عنصر مهمل زهيد . ويرى هذا أهون من مواجهة الموقف الرعيب الشديد . . وهو الموقف الذي يقابل تساؤل المتسائلين وشك المتشككين . في ذلك النبأ العظيم ! ! !
وقوله : إنّا أنْذَرْناكُمْ عَذَابا قَرِيبا يقول : إنا حذْرناكم أيها الناس عذابا قد دنا منكم وقرُب ، وذلك يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ المؤمن ما قَدّمَتْ يَدَاهُ من خير اكتسبه في الدنيا ، أو شرك سَلَفَ ، فيرجو ثواب الله على صالح أعماله ، ويخاف عقابه على سيئها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن مبارك ، عن الحسن يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدّمَتْ يَدَاهُ قال : المرء المؤمن يحذَر الصغيرة ، ويخاف الكبيرة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن محمد بن جَحّادة ، عن الحسن يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدّمَتْ يَدَاهُ قال : المرء المؤمن .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن محمد بن جحادة ، عن الحسن ، في قوله : يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدّمَتْ يَدَاهُ قال : المرء المؤمن .
وقوله : وَيَقُولُ الكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابا يقول تعالى ذكره : ويقول الكافر يومئذٍ تمنيا لما يلقى من عذاب الله الذي أعدّه لأصحابه الكافرين به : يا ليتني كنت ترابا ، كالبهائم التي جُعِلت تُرابا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر وابن أبي عديّ ، قالا : حدثنا عوف ، عن أبي المغيرة ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : إذا كان يوم القيامة ، مدّ الأديم ، وحشر الدوابّ والبهائم والوحش ، ثم يحصل القصاص بين الدوابّ ، يقتصّ للشاة الجَمّاء من الشاة القَرْناء نَطْحَتها ، فإذا فُرِغ من القِصاص بين الدوابّ ، قال لها : كوني ترابا ، قال : فعند ذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر قال : وحدثني جعفر بن بُرْقان ، عن يزيد بن الأصمّ ، عن أبي هريرة ، قال : إن الله يحشرُ الخلق كلهم ، كل دابة وطائر وإنسان ، يقول للبهائم والطير كونوا ترابا ، فعند ذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا المحاربيّ عبدُ الرحمن بن محمد ، عن إسماعيل بن رافع المدَنيّ ، عن يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القُرَظِيّ ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يَقْضِي اللّهُ بَينَ خَلْقِهِ الجِنّ والإنْسِ والبَهائِمِ ، وإنّهُ لَيَقِيدُ يَوْمَئِذٍ الجَمّاءِ مِنَ القَرْناءِ ، حتى إذَا لَمْ يَبْقَ تَبِعَةٌ عِنْدَ وَاحِدَةٍ لأُخْرَى ، قالَ اللّهُ : كُونُوا تُرَابا ، فَعِنْدَ ذلكَ يَقُولُ الكافِرُ : يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابا » .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابا وهو الهالك المُفْرِط العاجز ، وما يمنعه أن يقول ذلك وقد راج عليه عَوْراتُ عمله ، وقد استقبل الرحمن وهو عليه غضبان ، فتمنى الموت يومئذٍ ، ولم يكن في الدنيا شيء أكره عنده من الموت .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن أبي الزّناد عبد الله بن ذَكْوان ، قال : إذا قُضِي بين الناس ، وأمر بأهل النار إلى النار قيل لمؤمني الجنّ ولسائر الأمم سوى ولد آدم : عُودُوا ترابا ، فإذا نظر الكفار إليهم قد عادوا ترابا ، قال الكافر : يا ليتني كنت ترابا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، في قوله : وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابا : قال : إذا قيل للبهائم : كونوا ترابا ، قال الكافر : يا ليتني كنت ترابا .
والضمير الذي هو الكاف والميم في { أنذركم } هو لجميع العالم وإن كانت المخاطبة لمن حضر النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار ، و «العذاب القريب » : عذاب الآخرة ، ووصفه بالقرب لتحقق وقوعه وأنه آت وكل آت قريب الجمع داخل في النذارة منه ، ونظر المرء إلى { ما قدمت يداه } من عمل قيام الحجة عليه ، وقال ابن عباس { المرء } هنا المؤمن ، وقرأ ابن ابي إسحق : «المُرء » بضم الميم وضعفها أبو حاتم ، وقوله تعالى : { ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً } قيل إن هذا تمنٍّ أن يكون شيئاً حقيراً لا يحاسب ولا يلتفت إليه ، وهذا قد نجده في الخائفين من المؤمنين فقد قال عمر بن الخطاب : ليتني كنت بعرة ، وقال أبو هريرة وعبد الله بن عمر : إن الله تعالى يحضر البهائم يوم القيامة فيقتص لبعضها من بعض ثم يقول لها من بعد ذلك : كوني تراباً ، فيعود جميعها تراباً ، فإذا رأى الكافر ذلك تمنى مثله ، قال أبو القاسم بن حبيب : رأيت في بعض التفاسير أن { الكافر } هنا إبليس إذا رأى ما حصل للمؤمنين من بني آدم من الثواب قال : { يا ليتني كنت تراباً } ، أي كآدم الذي خلق من تراب واحتقره هو أولاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.