تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ} (3)

ومن قيامه تعالى بعباده ورحمته بهم أن نزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب ، الذي هو أجل الكتب وأعظمها المشتمل على الحق في إخباره وأوامره ونواهيه ، فما أخبر به صدق ، وما حكم به فهو العدل ، وأنزله بالحق ليقوم الخلق بعبادة ربهم ويتعلموا كتابه { مصدقا لما بين يديه } من الكتب السابقة ، فهو المزكي لها ، فما شهد له فهو المقبول ، وما رده فهو المردود ، وهو المطابق لها في جميع المطالب التي اتفق عليها المرسلون ، وهي شاهدة له بالصدق ، فأهل الكتاب لا يمكنهم التصديق بكتبهم إن لم يؤمنوا به ، فإن كفرهم به ينقض إيمانهم بكتبهم ، ثم قال تعالى { وأنزل التوراة } أي : على موسى { والإنجيل } على عيسى .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ} (3)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ نَزّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِن قَبْلُ هُدًى لّلنّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ }

يقول جلّ ثناؤه : يا محمد إن ربك وربّ عيسى ورب كل شيء ، هو الرب الذي أنزل عليك { الكِتَابَ } يعني بالكتاب : القرآن . { بالحقّ } يعني بالصدق فيما اختلف فيه أهل التوراة والإنجيل ، وفيما خالفك فيه محاجوك من نصارى أهل نجران ، وسائر أهل الشرك غيرهم . { مُصَدّقا لما بَيْنَ يَدَيْهِ } يعني بذلك القرآن ، أنه مصدّق لما كان قبله من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه ورسله ، ومحقق ما جاءت به رسل الله من عنده ، لأن منزل جميع ذلك واحد ، فلا يكون فيه اختلاف ، ولو كان من عند غيره كان فيه اختلاف كثير .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { مُصَدّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } قال : لما قبله من كتاب أو رسول .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { مُصَدّقا لِمَا بَينَ يَدَيْهِ } لما قبله من كتاب أو رسول .

حدثني محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { نَزّلَ عَلَيْكَ الكِتابَ بالحَقّ } أي بالصدق فيما اختلفوا فيه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { نَزّلَ عَلَيْكَ الكِتابَ بالحَقّ مصَدّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } يقول : القرآن مصدّقا لما بين يديه من الكتب التي قد خلت قبله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : ثني ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : { نَزّلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ بالحَقّ مُصَدّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } يقول : مصدّقا لما قبله من كتاب ورسول .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَأنْزَلَ التّوْرَاةَ والإنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى للنّاسِ } .

يعني بذلك جل ثناؤه : وأنزل التوراة على موسى ، والإنجيل على عيسى . { مِنْ قَبْلُ } يقول : من قبل الكتاب الذي نزّله عليك . ويعني بقوله : { هُدًى للنّاسِ } بيانا للناس من الله ، فيما اختلفوا فيه من توحيد الله وتصديق رسله ، ومفيدا يا محمد أنك نبيي ورسولي ، وفي غير ذلك من شرائع دين الله . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وأنْزَلَ التّوْراة والإنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى للنّاسِ } هما كتابان أنزلهما الله ، فيما بيان من الله ، وعصمة لمن أخذ به وصدق به وعمل بما فيه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { وأنْزلَ التّوْراةَ والإنْجِيلَ } التوراة على موسى ، والإنجيل على عيسى ، كما أنزل الكتب على من كان قبلهما .

القول في تأويل قوله تعالى : { وأنْزَلَ الفُرْقانَ } .

يعني جل ثناؤه بذلك : وأنزل الفصل بين الحقّ والباطل ، فيما اختلفت فيه الأحزاب وأهل الملل في أمر عيسى وغيره . وقد بينا فيما مضى أن الفُرقان إنما هو الفُعلان من قولهم : فرق الله بين الحقّ والباطل يفصل بينهما بنصره بالحق على الباطل¹ إما بالحجة البالغة ، وإما بالقهر والغلبة بالأيدي والقوّة .

وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، غير أن بعضهم وجه تأويله إلى أنه فصل بين الحق والباطل في أمر عيسى ، وبعضهم إلى أنه فصل بين الحق والباطل في أحكام الشرائع . ذكر من قال : معناه : الفصل بين الحقّ والباطل في أمر عيسى والأحزاب :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { وأنْزلَ الفُرْقانَ } أي الفصل بين الحقّ والباطل ، فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره .

ذكر من قال : معنى ذلك الفصل بين الحقّ والباطل في الأحكام وشرائع الإسلام :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَأَنْزَلَ الفُرْقَانَ } هو القرآن أنزله على محمد وفرق به بين الحقّ والباطل ، فأحلّ فيه حلاله ، وحرّم فيه حرامه ، وشرع فيه شرائعه ، وحدّ فيه حدوده ، وفرض فيه فرائضه ، وبين فيه بيانه ، وأمر بطاعته ، ونهى عن معصيته .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { وأنْزلَ الفُرْقانَ } قال : الفرقان : القرآن فرق بين الحقّ والباطل .

والتأويل الذي ذكرناه عن محمد بن جعفر بن الزبير في ذلك ، أولى بالصحة من التأويل الذي ذكرناه عن قتادة والربيع ، وأن يكون معنى الفرقان في هذا الموضع : فصل الله بين نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والذي حاجوه في أمر عيسى وفي غير ذلك من أموره بالحجة البالغة القاطعة عُذْرَهم وعُذْرَ نظرائهم من أهل الكفر بالله .

وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب ، لأن إخبار الله عن تنزيله القرآن قبل إخباره عن تنزيله التوراة والإنجيل في هذه الاَية قد مضى بقوله : { نَزّلَ عَلَيْكَ الكِتابَ بالحَقّ مُصَدّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } ولا شك أن ذلك الكتاب هو القرآن لا غيره ، فلا وجه لتكريره مرّة أخرى ، إذ لا فائدة في تكريره ، ليست في ذكره إياه وخبره عنه ابتداء .

القول في تأويل قوله تعالى : { إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بآياتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ، وَاللّهُ عَزِيزٌ ذو انْتِقام } .

يعني بذلك جل ثناؤه : إن الذين جحدوا أعلام الله وأدلته على توحيده وألوهته ، وأن عيسى عبد له واتخذوا المسيح إلها وربا ، أو ادّعوه لله ولدا ، { لهم عَذَابٌ } من الله { شَدِيدٌ } يوم القيامة ، والذين كفروا هم الذين جحدوا آيات الله . وآيات الله : أعلام الله وأدلته وحُججه .

وهذا القول من الله عزّ وجلّ ، ينبىء عن معنى قوله : { وأنْزَلَ الفُرْقَانَ } أنه معنيّ به الفصل الذي هو حجة لأهل الحقّ على أهل الباطل لأنه عقب ذلك بقوله : { إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بآياتِ اللّهِ } يعني : أن الذين جحدوا ذلك الفصل والفرقان الذي أنزله فرقا بين المحقّ والمبطل ، { لهمْ عذابٌ شديدٌ } وعيد من الله لمن عاند الحقّ بعد وضوحه له ، وخالف سبيل الهدى بعد قيام الحجة عليه . ثم أخبرهم أنه عزيز في سلطانه لا يمنعه مانع ممن أراد عذابه منهم ، ولا يحول بينه وبينه حائل ، ولا يستطيع أن يعانده فيه أحد ، وأنه ذو انتقام ممن جحد حججه وأدلته ، بعد ثبوتها عليها ، وبعد وضوحها له ومعرفته بها . )

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامِ } أي أن الله منتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها ، ومعرفته بما جاء منه فيها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بآياتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقام } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ} (3)

وتنزيل الله الكتاب بواسطة الملك جبريل عليه السلام ، و { الكتاب } في هذا الموضع القرآن باتفاق من المفسرين ، وقرأ جمهور الناس «نزَّل عليك » بشد الزاي «الكتابَ » بنصب الباء ، وقرأ إبراهيم النخعي «نزَل عليك الكتابُ » بتخفيف الزاي ورفع الباء ، وهذه الآية تقتضي أن قوله { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } جملة مستقلة منحازة ، وقوله { بالحق }{[2908]} يحتمل معنيين : إحداهما أن يكون المعنى ضمن الحقائق من خيره وأمره ونهيه ومواعظه ، فالباء على حدها في قوله : جاءني كتاب بخبر كذا وكذا أي ذلك الخبر مقتص فيه ، والثاني : أن يكون المعنى أنه نزل الكتاب باستحقاق أن ينزل لما فيه من المصلحة الشاملة وليس ذلك على أنه واجب على الله تعالى أن يفعله ، فالباء في هذا المعنى على حدها في قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام { سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق }{[2909]} وقال محمد بن جعفر بن الزبير{[2910]} : معنى قوله : { بالحق } أي مما أختلف فيه أهل الكتاب واضطرب فيه هؤلاء النصارى الوافدون ، وهذا داخل في المعنى الأول ، و { مصدقاً } حال مؤكدة وهي رتبة غير منتقلة لأنه لا يمكن أن يكون غير مصدق لما بين يديه من كتب الله{[2911]} فهو كقول ابن دارة{[2912]} : [ البسيط ]

أنا ابْنُ دارةَ معروفاً بها نسبي . . . وَهَلْ بِدَارَة يا للناسِ مِنْ عارِ ؟

وما بين يديه هي التوراة والإنجيل وسائر كتب الله التي تلقيت من شرعنا كالزبور والصحف ، وما بين اليد في هذه الحوادث هو المتقدم من الزمن .

و { التوراة والإنجيل } اسمان أصلهما عبراني لكن النحاة وأهل اللسان حملوها على الاشتقاق العربي فقالوا في التوراة : إنها من ورى الزند{[2913]} يري{[2914]} إذا قدح وظهرت ناره يقال أوريته فوري ، ومنه قوله تعالى : { فالموريات }{[2915]} وقوله : { أفرأيتم النار التي تورون }{[2916]} قال أبو علي ، فأما قولهم : وريت بك زنادي على وزن ، فعلت فزعم أبو عثمان أنه استعمل في هذا الكلام فقط ولم يجاوز به غيره ، وتوراة عند الخليل وسيبويه وسائر البصريين فوعلة كحوقلة وورية قلبت الواو الأولى تاء كما قلبت في تولج وأصله وولج من : ولجت ، وحكى الزجاج عن بعض الكوفيين : أن توراة أصلها تفعلة بفتح العين ، من : وريت بك زنادي ، وإنما ينبغي أن تكون من : أوريت قال فهي تورية ، وقال بعضهم : يصلح أن تكون تفعلة بكسر العين مثل توصية [ ثم ردت إلى تفعلة بفتح العين ، قال الزجاج وكأنه يجيز فى [ توصية ]{[2917]} توصأة وذلك غير مسموع ، وعلى كل قول فالياء لما انفتح ما قبلها وتحركت هي انقلبت ألفاً فقيل توراة ، ورجح أبو علي قول البصريين وضعفه غيره ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم «التورَاة » مفتوحة الراء ، وكان حمزة ونافع يلفظان بالراء بين اللفظين بين الفتح والكسر وكذلك فعلا في قوله { من الأبرار } و { من الأشرار } [ ص : 62 ] و { من قرار }{[2918]} إذا كان الحرف مخفوضاً ، وروى المسيبي{[2919]} عن نافع فتح الراء من التوراة ، وروى ورش عنه كسرها ، وكان أبو عمرو والكسائي يكسران الراء من التوراة ويميلان من { الأبرار } وغيرها أشد من إمالة حمزة ونافع .

وقالوا في الإنجيل : إنه إفعيل من النجل وهو الماء الذي ينز{[2920]} من الأرض ، قال الخليل : استنجلت الأرض وبها انجال إذا خرج منها الماء والنجل أيضاً الولد والنسل قاله الخليل وغيره ، ونجله أبوه أي ولده ، ومن ذلك قول الأعشى{[2921]} : [ المنسرح ]

أنجبُ أيّام والداه به . . . اذ نَجَلاهُ فَنِعمَ مَا نَجَلا

قال ابن سيده عن أبي علي : معنى قوله أيام والداه به كما تقول : أنا بالله وبك ، وقال أبو الفتح : معنى البيت ، أنجب والداه به أيام إذ نجلاه فهو كقولك حينئذ ويومئذ لكنه حال بالفاعل بين المضاف الذي هو أيام وبين المضاف إليه الذي هو إذ . ويروى هذا البيت أنجب أيام والديه ، والنجل الرمي بالشيء وذلك أيضاً من معنى الظهور وفراق شيء شيئاً ، وحكى أبو القاسم الزجاجي{[2922]} في نوادره : أن الوالد يقال له ، نجل وأن اللفظة من الأضداد وأما بيت زهير فالرواية الصحيحة فيه :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** وكل فحل له نجل{[2923]}

أي ولد كريم ونسل ، وروى الأصمعي فيما حكى [ عنه ]{[2924]} : وكل فرع له نجل ، وهذا لا يتجه إلى على تسمية الوالد نجلاً . وقال الزجاج : { الإنجيل } مأخوذ من النجل وهو الأصل فهذا ينحو إلى ما حكى أبو القاسم قال أبو الفتح : ف { التوراة } من وري الزناد{[2925]} ، إذا ظهرت ناره ، و { الإنجيل } من نجل إذا ظهر ولده ، أو من ظهور الماء من الأرض فهو مستخرج إما من اللوح المحفوظ ، وإما من التوراة ، و { الفرقان } من الفرق بين الحق والباطل ، فحروفها مختلفة ، والمعنى قريب بعضه من بعض ، إذ كلها معناه ، ظهور الحق ، وبيان الشرع ، وفصله من غيره من الأباطيل ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «الأنجيل » بفتح الهمزة ، وذلك لا يتجه في كلام العرب ، ولكن يحميه مكان الحسن من الفصاحة ، وإنه لا يقرأ إلا بما روى ، وأراه نحا به نحو الأسماء الأعجمية .


[2908]:-في بعض النسخ: يقتضي.
[2909]:- من الآية 116 من سورة المائدة.
[2910]:- من فقهاء أهل المدينة وقرائهم، روى عنه ابن إسحاق وابن جريج وغيرهما، توفي بين 110-120 هـ (تهذيب التهذيب 9: 93).
[2911]:- في بعض النسخ: كتاب.
[2912]:- دارة اسم أمه، قال ابن قتيبة: سميت بذلك لأنها شبهت بدارة القمر لجمالها، واسم أبيه مسافع، شاعر مخضرم هجاء وبسبب الهجاء قتل (انظر الشعر والشعراء: 315 والخزانة 1: 389، 557، والأغاني 21/ 49، والسمط 677، 862، وشرح التبريزي على الحماسة 1/205).
[2913]:- في بعض النسخ: الزناد.
[2914]:- يري: سقطت من بعض النسخ.
[2915]:- من الآية 2 من سورة العاديات.
[2916]:- الآية 71 من سورة الواقعة.
[2917]:- ما بين معقفين سقط في بعض النسخ.
[2918]:- (مع الأبرار) من الآية 193 من سورة آل عمران و(من الأشرار) من الآية 62 من سورة (ص)، و(من قرار) من الآية 26 من سورة إبراهيم.
[2919]:- هو إسحاق بن محمد بن عبد الرحمان المخزومي، روى عن أبي الزناد ومالك ونافع، توفي سنة 206هـ (تهذيب التهذيب 1/249).
[2920]:-ينز من الأرض: يتحلب منها وهذا هو النز- بفتح النون وكسرها-
[2921]:- بيت الأعشى في ديوانه: 135، وانظر اللسان والتاج في مادة (نجل).
[2922]:-اسمه عبد الرحمان بن إسحاق، نسب إلى شيخه إبراهيم الزجاج، وهو مصنف "الجمل" وغيره من المصنفات؛ توفي بطبرية سنة 393هـ (انظر انباه الرواة 2/160 وفي الحاشية ثبت بمصادر ترجمته).
[2923]:- بيت زهير: إلى معشر لم يورث اللؤم جدهم أصاغرهم، وكل فحل له نجل.
[2924]:- عنه: سقطت من بعض النسخ.
[2925]:- في بعض النسخ: الزند.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ} (3)

وقوله : { نزل عليك الكتاب } خبر عن اسم الجلالة . والخبر هنا مستعمل في الامتنان ، أو هو تعريض ونكايةَ بأهل الكتاب : الذين أنكروا ذلك . وجيء بالمسند فعلاً لإفادة تقوية الخبر ، أو للدلالة مع ذلك على الاختصاص : أي الله لا غيره نزّل عليك الكتاب إبطالاً لقول المشركين : إنّ القرآن من كلام الشيطان ، أو من طرائق الكهانة ، أو يُعلِّمه بَشَرٌ .

والتضعيف في { نَزّل } للتعدية فهو يساوي الهمز في أنزل ، وإنّما التضعيف يؤذن بقوة الفعل في كيفيته أو كمّيته ، في الفعل المتعدّي بغير التضعيف ، من أجل أنّهم قد أتوا ببعض الأفعال المتعدّية ، للدلالة على ذلك ، كقولهم : فَسَر وفسَّر ، وفَرَق وفرّق ، وكَسَر وكسّر ، كما أتوا بأفعال قاصرة بصيغة المضاعفة ، دون تعدية للدلالة على قوة الفعل ، كما قالوا : مَاتَ ومَوّت وصَاح وصَيّح . فأما إذا صار التضعيف للتعدية فلا أوقن بأنّه يدلّ على تقوية الفعل ، إلاّ أن يقال : إنّ العدول عن التعدية بالهمز ، إلى التعدية بالتضعيف ، لقصد ما عُهد في التضعيف من تَقوية معنى الفعل ، فيكون قوله : { نزل عليك الكتاب } أهمّ من قوله : { وأنزل التوراة } للدلالة على عظم شأن نزول القرآن . وقد بيّنت ذلك مستوفى في المقدّمة الأولى من هذا التفسير ، ووقع في « الكشاف » ، هنا وفي مواضع متعدّدة ، أن قال : إن نزّل يدل على التنجيم وإنّ أنزل يدل على أنّ الكتابين أنزلا جملةً واحدة وهذا لا علاقة له بمعنى التقوية المُدّعَى للفعل المضاعف ، إلاّ أن يعني أنّ نزّل مستعمل في لازم التكثير ، وهو التوزيع وردّه أبو حيان بقوله تعالى : { وقال الذين كفروا لَوْلاَ نُزِّل عليه القرآن جُملة واحدة } [ الفرقان : 32 ] فجمع بين التضعيف وقوله : { جملة واحدة } . وأزيدُ أنّ التوراة والإنجيل نزلا مفرّقَين كشأن كلّ ما ينزل على الرسل في مدة الرسالة ، وهو الحق : إذ لا يعرف أنّ كتاباً نزل على رسول دفعة واحدة .

والكتاب : القرآن . والباء في قوله : { بالحق } للملابسة ، ومعنى ملابسته للحق اشتماله عليه في جميع ما يشتمل عليه من المعاني قال تعالى : { وبالحق أنزلناه وبالحق نَزل } [ الإسراء : 105 ] .

ومعنى { مصدقاً لما بين يديه } أنّه مصدق للكتب السابقة له ، وجعل السابق بين يديه : لأنّه يجيء قبله ، فكأنّه يمشي أمامه .

والتوراة اسم للكتاب المنزّل على موسى عليه السلام ، وهو اسم عبراني أصله طوْراً بمعنى الهدي ، والظاهر أنّه اسم للألواح التي فيها الكلمات العشر التي نزلت على موسى عليه السلام في جبل الطور ؛ لأنّها أصل الشريعة التي جاءت في كتب موسى ، فأطق ذلك الاسم على جميع كتب موسى ، واليهود يقولون ( سِفر طوراً ) فلمّا دخل هذا الاسم إلى العربية أدخلوا عليه لام التعريف التي تدخل على الأوصَافِ والنكرات لتصير أعلاماً بالغَلَبة : مثل العَقَبة ، ومن أهل اللغة والتفسير من حاولوا توجيهاً لاشتقاقه اشتقاقاً عربياً ، فقالوا : إنّه مشتق من الوَرْي وهو الوقد ، بوزن تَفعَلة أو فَوْعَلَة ، وربّما أقدمهم على ذلك أمران : أحدهما دخول التعريف عليه ، وهو لا يدخل على الأسماء العجمية ، وأجيب بأن لا مانع من دخولها على المعرّب كما قالوا : الاسكندرية ، وهذا جواب غير صحيح ؛ لأنّ الإسكندرية وزن عربي ؛ إذ هو نسب إلى إسكندر ، فالوجه في الجواب أنّه إنّما ألزم التعريف لأنّه معرّب عن اسم بمعنى الوصف اسمٍ علم فلمّا عربوه ألزموه اللام لذلك .

الثاني أنّها كتبت في المصحف بالياء ، وهذا لم يذكروه في توجيه كونه عربياً ، وسبب كتابته كذلك الإشارة إلى لغةِ إمالته .

وأما الإنجيل فاسم للوحي الذي أوحي به إلى عيسى عليه السلام فجمعه أصحابه .

وهو اسم معرّب قيل من الرومية وأصله ( إثَانْجَيْلِيُوم ) أي الخبر الطيّب ، فمدلوله مدلول اسم الجنس ، ولذلك أدخلوا عليه كلمة التعريف في اللغة الرومية ، فلمّا عرّبه العرب أدخلوا عليه حرف التعريف ، وذكر القرطبي عن الثعلبي أنّ الإنجيل في السريانية وهي الآرامية ( أنكليون ) ولعلّ الثعلبي اشتبه عليه الرومية بالسريانية ، لأنّ هذه الكلمة ليست سريانية وإنّما لما نطق بها نصارى العراق ظنّها سريانية ، أو لعلّ في العبارة تحريفاً وصوابها اليونانية وهو في اليونانية ( أووَانَيْلِيُون ) أي اللفظ الفصيح . وقد حاول بعض أهل اللغة والتفسير جعله مشتقاً من النجل وهو الماء الذي يخرج من الأرض ، وذلك تعسّف أيضاً . وهمزة الإنجيل مكسورة في الأشهر ليجري على وزن الأسماء العربية ؛ لأنّ إفعيلاً موجود بقلة مثل إبْزِيمٍ ، وربّما نطق به بفتح الهمزة ، وذلك لا نظير له في العربية .