تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (21)

{ وَأُخْرَى } أي : وعدكم أيضا غنيمة أخرى { لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا } وقت هذا الخطاب ، { قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا } أي : هو قادر عليها ، وتحت تدبيره وملكه ، وقد وعدكموها ، فلا بد من وقوع ما وعد به ، لكمال اقتدار الله تعالى ، ولهذا قال : { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (21)

وقوله : وأُخْرَى لم تَقْدِروا عليها قَدْ أحاطَ اللّهُ بِهَا يقول تعالى ذكره ووعدكم أيها القوم ربكم فتح بلدة أخرى لم تقدروا على فتحها ، قد أحاط الله بها لكم حتى يفتحها لكم .

واختلف أهل التأويل في هذه البلدة الأخرى ، والقرية الأخرى التي وعدهم فتحها ، التي أخبرهم أنه محيط بها ، فقال بعضهم : هي أرض فارس والروم ، وما يفتحه المسلمون من البلاد إلى قيام الساعة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهديّ ، قال : حدثنا شعبة ، عن سِماك الحنفيّ ، قال : سمعت ابن عباس يقول : وأُخْرَى لم تَقْدِرُوا عَلَيْها فارس والروم .

قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن ابن أبي ليلى أنه قال في هذه الآية : وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قال : فارس والروم .

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا زيد بن حباب ، قال : حدثنا شعبة بن الحَجاج ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللّهُ بِها قال : حُدّث عن الحسن ، قال : هي فارس والروم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها ما فتحوا حتى اليوم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي لَيلى ، في قوله : وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قال : فارس والروم .

وقال آخرون : بل هي خيبر . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها . . . الآية ، قال : هي خيبر .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك ، يقول في قوله : وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللّهُ بِها يعني خيبر ، بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ ، فقال : «لا تُمَثّلُوا وَلا تَغُلّوا ، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدا » .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللّهُ بِها قال : خيبر ، قال : لم يكونوا يذكرونها ولا يرجونها حتى أخبرهم الله بها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها يعني أهل خيبر .

وقال آخرون : بل هي مكة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللّهُ بِها كنا نحدّث أنها مكة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قال : بلغنا أنها مكة .

وهذا القول الذي قاله قتادة أشبه بما دلّ عليه ظاهر التنزيل ، وذلك أن الله أخبر هؤلاء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، أنه محيط بقرية لم يقدروا عليها ، ومعقولٌ أنه لا يقال لقوم لم يقدروا على هذه المدينة ، إلا أن يكونوا قد راموها فتعذّرت عليهم ، فأما وهم لم يروموها فتتعذّر عليهم فلا يقال : إنهم لم يقدروا عليها .

فإذ كان ذلك كذلك ، وكان معلوما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقصد قبل نزول هذه الآية عليه خيبر لحرب ، ولا وجه إليها لقتال أهلها جيشا ولا سرية ، علم أن المعنيّ بقوله : وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها غيرها ، وأنها هي التي قد عالجها ورامها ، فتعذّرت فكانت مكة وأهلها كذلك ، وأخبر الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه أحاط بها وبأهلها ، وأنه فاتحها عليهم ، وكان الله على كلّ ما يشاء من الأشياء ذا قُدرة ، لا يتعذّر عليه شيء شاءه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (21)

{ وأخرى } ومغانم أخرى معطوفة على هذه ، أو منصوبة بفعل يفسره { قد أحاط الله بها } مثل قضى ، ويحتمل رفعها بالابتداء لأنها موصوفة وجرها بإضمار رب . { لم تقدروا عليها } بعد لما كان فيها من الجولة . { قد أحاط الله بها } استولى فأظفركم بها وهي مغانم هوازن أو فارس . { وكان الله على كل شيء قديرا } لأن قدرته ذاتية لا تختص بشيء دون شيء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (21)

وقوله : { وأخرى لم تقدروا عليها } قال عبد الله بن عباس : الإشارة إلى بلاد فارس والروم . وقال الضحاك : الإشارة إلى خيبر . وقال قتادة والحسن : الإشارة إلى مكة ، وهذا هو القول الذي يتسق معه المعنى ويتأيد .

وقوله : { قد أحاط الله بها } معناه بالقدرة والقهر لأهلها ، أي قد سبق في علمه ذلك وظهر فيها أنهم لم يقدروا عليها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (21)

هذا من عطف الجملة على الجملة فقوله : { أخرى } مبتدأ موصوف بجملة { لم تقدروا عليها } والخبر قوله : { قد أحاط الله بها } .

ومجموع الجملة عطف على جملة { وعدكم اللَّه مغانم كثيرة } [ الفتح : 20 ] فلفظ { أخرى } صفة لموصوف محذوف دل عليه { مغانم } الذي في الجملة قبلها ، أي هي نوع آخر من المغانم صعبة المنال ، ومعنى المغانم يقتضي غانمين فعلم أنها لهم ، أي غير التي وعدهم الله بها ، أي هذه لم يعدهم الله بها ، ولم نجعل { وأخرى } عطفا على قوله { هذه } [ الفتح : 20 ] عطف المفرد على المفرد إذ ليس المراد غنيمة واحدة بل غنائم كثيرة .

ومعنى { لم تقدروا عليها } : أنها موصوفة بعَدم قدرتكم عليها ، فلما كانت جملة { لم تقدروا عليها } صفة ل { أخرى } لم يقتض مدلول الجملة أنهم حاولوا الحصول عليها فلم يقدروا ، وإنّما المعنى : أن صفتها عدم قدرتكم عليها فلم تتعلّق أطماعكم بأخذها .

والإحاطة بالهمز : جعل الشيء حائطاً أي حافظاً ، فأصل همزته للجعل وصار بالاستعمال قاصراً ، ومعناه : احتوى عليه ولم يترك له منصرفاً فول على شدة القدرة عليه قال تعالى : { لتأتنني به إلا أن يُحاط بكم } [ يوسف : 66 ] أي إلا أن تغلَبوا غلباً لا تستطيعون معه الإتيان به .

فالمعنى : أن الله قدَر عليها ، أي قدر عليها فجعلها لكم بقرينة قوله قبله { لم تقدروا عليها } . والمعنى : ومغانم أخرى لم تقدروا على نيلها قد قدر الله عليها ، أي فأنا لكُمْ إيّاها .

وإلا لم يكن لإعلامهم بأن الله قدر على ما لم يقدروا عليه جدوى لأنهم لا يجهلون ذلك ، أي أحاط الله بها لأجلكم ، وفي معنى الإحاطة إيماء إلى أنها كالشيء المحاط به من جوانبه فلا يفوتهم مكانه ، جعلت كالمخبوء لهم . ولذلك ذُيل بقوله : { وكان اللَّه على كل شيء قديراً } إذ هو أمر مقرر في علمهم .

فعلم أن الآية أشارت إلى ثلاثة أنواع من المغانم : نوع من مغانم موعودة لهم قريبة الحصول وهي مغانم خيبر ، ونوع هو مغانم مرجوة كثيرة غير معين وقت حصولها ، ومنها مغانم يوم حنين وما بعده من الغزوات ، ونوع هو مغانم عظيمة لا يَخطر ببالهم نوالها قد أعدها الله للمسلمين ولعلها مغانم بلاد الروم وبلاد الفرس وبلاد البربر . وفي الآية إيماء إلى أن هذا النوع الأخير لا يناله جميع المخاطبين لأنه لم يأت في ذكره بضميرهم ، وهو الذي تأوله عُمر في عدم قسمة سواد العراق وقرأ قوله تعالى : { والذين جاءوا من بعدهم } [ الحشر : 10 ] .