تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (117)

{ 117 - 118 } { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }

يخبر تعالى أنه من لطفه وإحسانه تَابَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم { وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ } فغفر لهم الزلات ، ووفر لهم الحسنات ، ورقاهم إلى أعلى الدرجات ، وذلك بسبب قيامهم بالأعمال الصعبة الشاقات ، ولهذا قال : { الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ } أي : خرجوا معه لقتال الأعداء في وقعة " تبوك " {[386]}  وكانت في حر شديد ، وضيق من الزاد والركوب ، وكثرة عدو ، مما يدعو إلى التخلف .

فاستعانوا اللّه تعالى ، وقاموا بذلك { مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ } أي : تنقلب قلوبهم ، ويميلوا إلى الدعة والسكون ، ولكن اللّه ثبتهم وأيدهم وقواهم . وزَيْغُ القلب هو انحرافه عن الصراط المستقيم ، فإن كان الانحراف في أصل الدين ، كان كفرا ، وإن كان في شرائعه ، كان بحسب تلك الشريعة ، التي زاغ عنها ، إما قصر عن فعلها ، أو فعلها على غير الوجه الشرعي .

وقوله { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } أي : قبل توبتهم { إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } ومن رأفته ورحمته أن مَنَّ عليهم بالتوبة ، وقبلها منهم وثبتهم عليها .


[386]:- في ب: عزوة تبوك.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (117)

القول في تأويل قوله تعالى : { لَقَدْ تَابَ الله عَلَىَ النّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ الّذِينَ اتّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رّحِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : لقد رزق الله الإنابة إلى أمره وطاعته نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، والمهاجرين ديارهم وعشيرتهم إلى دار الإسلام ، وأنصار رسوله في الله ، الذين اتبعوا رسول الله في ساعة العسرة منهم من النفقة والظهر والزاد والماء مِنْ بعدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيق مِنْهُمُ يقول : من بعد ما كاد يميل قلوب بعضهم عن الحقّ ويشكّ في دينه ويرتاب بالذي ناله من المشقة والشدّة في سفره وغزوه . ثُمّ تابَ عَلَيْهِمْ يقول : ثم رزقهم جلّ ثناؤه الإنابة والرجوع إلى الثبات على دينه وإبصار الحقّ الذي كان قد كاد يلتبس عليهم . إنّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ يقول : إن ربكم بالذين خالط قلوبهم ذلك لما نالهم في سفرهم من الشدّة والمشقة ، رَءُوفٌ بهم ، رَحِيمٌ أن يهلكهم ، فينزع منهم الإيمان بعد ما قد أبلوا في الله ما أبلو مع رسوله وصبروا عليه من البأساء والضرّاء .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فِي ساعَةِ العُسْرَةِ في غزوة تبوك .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل : فِي ساعَةِ العُسْرَةِ قال : خرجوا في غزوة تبوك الرجلان والثلاثة على بعير ، وخرجوا في حرّ شديد ، وأصابهم يومئذ عطش شديد ، فجعلوا ينحرون إبلهم فيعصرون أكراشها ويشربون ماءها ، كان ذلك عسرة من الماء وعسرة من الظهر وعسرة من النفقة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ساعَةِ العُسْرَةِ قال : غزوة تبوك ، قال : «العسرة » : أصابهم جهد شديد حتى أن الرجلين ليشقان التمرة بينهما وإنهم ليمصون التمرة الواحدة ويشربون عليها الماء .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الّذِينَ اتّبَعُوهُ في ساعَةِ العُسرَةِ قال : غزوة تبوك .

قال : حدثنا زكريا بن عليّ ، عن ابن مبارك ، عن معمر ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر : الّذِينَ اتّبَعُوهِ فِي ساعَةِ العُسْرَةِ قال : عسرة الظهر ، وعسرة الزاد ، وعسرة الماء .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لَقَدْ تابَ اللّهُ على النّبِيّ والمُهاجِرَينِ والأنْصَارِ الّذِينَ اتّبَعُوهِ فِي ساعَةِ العُسْرَةِ . . . الآية ، الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزو تبوك قِبَلَ الشأم في لهبان الحرّ على ما يعلم الله من الجهد أصابهم فيها جهد شديد ، حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما ، وكان النفر يتناولون التمرة بينهم يمصها هذا ثم يشرب عليها ثم يمصها هذا ثم يشرب عليها ، فتاب الله عليهم وأقفلهم من غزوهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحرث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن عتبة بن أبي عتبة ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن عبد الله بن عباس : أنه قيل لعمر بن الخطاب رحمة الله عليه في شأن العسرة ، فقال عمر : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد ، فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش ، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع ، حتى أن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع جتى يظنّ أن رقبته ستنقطع ، حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده فقال أبو بكر : يا رسول الله إن الله قد عوّدك في الدعاء خيرا ، فادع لنا قال : «تُحِبّ ذلكَ ؟ » قال : نعم . فرفع يديه فلم يرجعهما حتى مالت السماء ، فأظلت ثم سكبت ، فملئوا ما معهم ، ثم رجعنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر .

حدثني إسحاق بن زيادة العطار ، قال : حدثنا يعقوب بن محمد ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : حدثنا عمرو بن الحرث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن نافع بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قيل لعمر بن الخطاب رحمة الله عليه : حدثنا عن شأن جيش العسرة ، فقال عمر : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر نحوه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (117)

{ لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار } من إذن المنافقين في التخلف أو برأهم عن علقة الذنوب كقوله تعالى : { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } وقيل : هو بعث على التوبة والمعنى : ما من أحد إلا وهو محتاج إلى التوبة حتى النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار لقوله تعالى : { وتوبوا إلى الله جميعا } إذ ما من أحد إلا وله مقام يستنقص دونه ما هو فيه والترقي إليه توبة من تلك النقيصة وإظهار لفضلها بأنها مقام الأنبياء والصالحين من عباده . { الذين اتبعوه في ساعة العُسرة } في وقتها هي حالهم في غزوة تبوك كانوا في عسرة الظهر يعتقب العشرة على بعير واحد والزاد حتى قيل إن الرجلين كانا يقتسمان تمرة والماء حتى شربوا القيظ . { من بعد ما كان يزيغ قلوب فريق منهم } عن الثبات على الإيمان أو اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام وفي { كاد } ضمير الشأن أو ضمير القوم والعائد إليه الضمير في { منهم } . وقرأ حمزة وحفص { يزيغ } بالياء لأن تأنيث القلوب غير حقيقي . وقرئ " من بعد ما زاغت قلوب فريق منهم " يعني المتخلفين . { ثم تاب عليهم } تكرير للتأكيد وتنبيه على أنه تاب عليهم من أجل ما كابدوا من العسرة ، أو المراد أنه تاب عليهم لكيدودتهم . { إنه بهم رءوف رحيم } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلۡعُسۡرَةِ مِنۢ بَعۡدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنۡهُمۡ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّهُۥ بِهِمۡ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (117)

«التوبة » من الله رجوعه بعبده من حالة إلى أرفع منها ، فقد تكون في الأكثر رجوعاً من حالة طاعة إلى أكمل منها وهذه توبته في هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه رجع به من حاله قبل تحصيل الغزوة وأجرها وتحمل مشقاتها إلى حاله بعد ذلك كله ، وأما توبته عل «المهاجرين والأنصار » فحالها معرضة لأن تكون من تقصير إلى طاعة وجد في الغزو ونصرة الدين ، وأما توبته على الفريق الذي كاد أن يزيغ فرجوع من حالة محطوطة إلى حال غفران ورضا ، و { اتبعوه } معناه : دخلوا في أمره وانبعاثه ولم يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ، وقوله { في ساعة العسرة } ، يريد في وقت العسرة فأنزل الساعة منزلة المدة والوقت والزمن ، وإن كان عرف الساعة في اللغة أنه لما قلَّ من الزمن كالقطعة من النهار .

ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم في رواح يوم الجمعة «في الساعة الأولى وفي الثانية » الحديث{[5950]} ، فهي هنا بتجوز ، ويمكن أن يريد بقوله { في ساعة العسرة } الساعة التي وقع فيها عزمهم وانقيادهم لتحمل المشقة إذ السفرة كلها تبع لتلك الساعة وبها وفيها يقع الأجر على الله ، وترتبط النية ، فمن اعتزم على الغزو وهو معسر فقد اتبع في ساعة العسرة ولو اتفق أن يطرأ لهم غنى في سائر سفرتهم لما اختل كونهم متبعين «في ساعة عسرة » و { العسرة } الشدة وضيق الحال والعدم ، ومنه قوله تعالى : { وإن كان ذو عسرة }{[5951]} وهذا هو جيش العسرة الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه : «من جهز جيش العسرة فله الجنة »{[5952]} فجهزه عثمان بن عفان رضي الله عنه بألف جمل وألف دينار .

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلب الدنانير بيده وقال : «وما على عثمان ما عمل بعد هذا » ، وجاء أيضاً رجل من الأنصار بسبعمائة وسق من تمر{[5953]} ، وقال مجاهد وقتادة : إن العسرة بلغت بهم في تلك الغزوة وهي غزوة تبوك إلى أن قسموا التمرة بين رجلين ، ثم كان النفر يأخذون التمرة الواحدة فيمضغها أحدهم ويشرب عليها الماء ثم يفعل كلهم بها ذلك .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : وأصابهم في بعضها عطش شديد حتى جعلوا ينحرون الإبل ويشربون ما في كروشها من الماء ويعصرون الفرث حتى استسقى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع يديه يدعو فما رجعهما حتى انسكبت سحابة فشربوا وادخروا ثم ارتحلوا ، فإذا السحابة لم تخرج عن العسكر ، وحينئذ قال رجل من المنافقين : وهل هذه إلا سحابة مرت ؟{[5954]} ، وكانت الغزوة في شدة الحر ، وكان الناس كثيراً ، فَقَّل الَّظْهر فجاءتهم العسرة من جهات ، ووصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أوائل بلد العدو فصالحه أهل أذرج وأيلة{[5955]} وغيرهما على الجزية ونحوهما ، وانصرف وأما «الزيغ » الذي كادت قلوب فريق منهم أن تواقعه ، فقيل همت فرقة بالانصراف لما لقوا من المشقة والعسرة ، قاله الحسن ، وقيل زيغها إنما بظنون لها ساءت في معنى عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلك الغزوة لما رأته من شدة العسرة وقلة الوفر وبعد المشقة وقوة العدو المقصود ، وقرأ جمهور الناس وأبو بكر عن عاصم «تزيغ » بالتاء من فوق على لفظ القلوب .

وروي عن أبي عمرو أنه كان يدغم الدال في التاء ، وقرأ حمزة وحفص عن عاصم والأعمش والجحدري «يزيغ » بالياء على معنى جمع القلوب ، وقرأ ابن مسعود «من بعد ما زاغت قلوب فريق » وقرأ أبي بن كعب «من بعد ما كادت تزيغ » وأما كان فيحتمل أن يرتفع بها ثلاثة أشياء أولها وأقواها القصة والشأن هذا مذهب سيبويه ، وترتفع «القلوبُ » على هذا ب «تزيغ » والثاني أن يرتفع بها ما يقتضيه ذكر المهاجرين والأنصار أولاً ، ويقدر ذلك القوم فكأنه قال من بعد ما كاد القوم تزيغ قلوبهم فريق منهم ، والثالث أن يرتفع بها «القلوب » ويكون في قوله «تزيغ » ضمير «القلوب » ، وجاز ذلك تشبيهاً بكان في قوله { وكان حقاً علينا نصر المؤمنين }{[5956]} وأيضاً فلأن هذا التقديم للخبر يراد به التأخير ، وشبهت { كاد } ب «كان » للزوم الخبر لها ، قال أبو علي ولا يجوز ذلك في عسى{[5957]} .

ثم أخبر عز وجل أنه تاب أيضاً على هذا الفريق وراجع به ، وأنس بإعلامه للأمة بأنه { رؤوف رحيم } والثلاثة هم كعب بن مالك{[5958]} وهلال بن أمية الواقفي{[5959]} ومرارة بن الربيع العامري ويقال ابن ربيعة ويقال ابن ربعي{[5960]} ، وقد خرج حديثهم بكماله البخاري ومسلم{[5961]} وهو في السير ، فلذلك اختصرنا سوقه ، وهم الذين تقدم فيهم { وآخرون مرجون } [ الآية : 106 ] .


[5950]:- رواه البخاري في كتاب الجمعة عن أبي هريرة رضي الله عنه، وكذلك رواه مسلم، والترمذي، ومالك في الموطأ في كتاب الجمعة، ورواه أبو داود في كتاب الطهارة، ولفظه كما جاء في البخاري: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرّب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرّب بيضة" فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر).
[5951]:-من الآية (280) من سورة (البقرة).
[5952]:- رواه البخاري في مناقب عثمان رضي الله عنه، ولفظه: (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يحفر بئر رومة فله الجنة، فخفرها عثمان، وقال: من جهز جيش العسرة فله الجنة، فجهزه عثمان).
[5953]:- الوسق بفتح الواو: مكيلة معلومة، وهي ستون صاعا، والصاع خمسة أرطال وثلث. والوسق أيضا: حمل البعير والعربة والسفينة. (المعجم الوسيط).
[5954]:-أخرجه ابن جرير، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: حدثنا عن شأن ساعة العسرة، فقال: خرجنا***إلى قوله: العسكر، وليس فيه كلام الرجل المنافق. (الدر المنثور).
[5955]:- أذرج (بالذال المعجمة والراء المضمومة) قال في التاج: هي مدنية السراة، وقيل: إنما هي أدرج، وذكر ذلك في اللسان، وصوب ياقوت ذلك وخطأ ما قبله وأطال في ذلك، وآيلة معروفة الآن باسم إيلات قال في اللسان: "وأيلة: قرية عربية ورد ذكرها في الحديث، وهو بفتح الهمزة وسكون الياء البلد المعروف فيما بين مصر والشام". وقال حسان بن ثابت: ملكا من جبل الثلج إلى جانبي أيلة من عبد وحر.
[5956]:- من الآية (47) من سورة (الروم).
[5957]:- أورد أبو حيان في "البحر المحيط" إشكالات على هذه الإعرابات الثلاثة على قراءة التاء في [تزيغ] فقال: إذا قدّرنا فيها ضمير الشأن كانت الجملة في موضع نصب على الخبر والمرفوع ليس ضميرا يعود على اسم كاد، بل ولا سببا له، وهذا يلزم في قراءة الياء أيضا. وأما توسيط الخبر فهو مبني على جواز مثل هذا التركيب في مثل: "كان يقوم زيد"، وفيه خلاف والصحيح المنع. وأما توجيه الآخر فضعيف جدا من حيث أضمر في كاد ضمير لا يعود إلا بتوهم، ومن حيث يكون خبر كاد واقعا سببيا. ويخلص من هذا الإشكالات اعتقاد كون (كاد) زائدة ومعناها مراد ولا عمل لها" (البحر المحيط 5-109).
[5958]:- كعب بن مالك بن عمرو بن القين الأنصاري الخزرجي، اشتهر في الجاهلية، وكان من شعراء النبي في الإسلام، شهد الوقائع ثم كان من أصحاب عثمان، كفّ بصره في آخر عمره، مات سنة 50هـ وعمره سبع وسبعون سنة، ولد 80 حديثا. (الأعلام، الإصابة، الأغاني).
[5959]:- هلال بن أمية بن عامر بن قيس الأنصاري الواقفي، شهد بدرا وما بعدها، له ذكر في الصحيحين من رواية سعيد بن جبير عن ابن عمر. (الإصابة والاستيعاب).
[5960]:- مُرارة بن ربيعة، ويقال: ابن ربيع العمري الأنصاري من بني عمرو بن عوف كما جاء في (الاستيعاب)، ومُرارة بن ربعي بن عدي بن يزيد بن جُشم، ذكره ابن الكلبي وقال: كان أحد البكائين كما جاء في (الإصابة).
[5961]:- الحديث كما رواه البخاري طويل جدا، ويروى فيه كعب بلاءه وبيعته ليلة العقبة، ويروي بصدق لما تخلف وكيف اعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم إلى أن نزلت الآية الكريمة، قال: (فوالله ما أنعم علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا)، ثم قال كعب: (وكنا تخلفنا أيّها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه، فبذلك قال الله: {وعلى الثلاثة الذين حلّفوا}، ليس الذي ذكر الله مما خلّفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه).