{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
يخبر تعالى أنه لا إكراه في الدين لعدم الحاجة إلى الإكراه عليه ، لأن الإكراه لا يكون إلا على أمر خفية أعلامه ، غامضة أثاره ، أو أمر في غاية الكراهة للنفوس ، وأما هذا الدين القويم والصراط المستقيم فقد تبينت أعلامه للعقول ، وظهرت طرقه ، وتبين أمره ، وعرف الرشد من الغي ، فالموفق إذا نظر أدنى نظر إليه آثره واختاره ، وأما من كان سيئ القصد فاسد الإرادة ، خبيث النفس يرى الحق فيختار عليه الباطل ، ويبصر الحسن فيميل إلى القبيح ، فهذا ليس لله حاجة في إكراهه على الدين ، لعدم النتيجة والفائدة فيه ، والمكره ليس إيمانه صحيحا ، ولا تدل الآية الكريمة على ترك قتال الكفار المحاربين ، وإنما فيها أن حقيقة الدين من حيث هو موجب لقبوله لكل منصف قصده اتباع الحق ، وأما القتال وعدمه فلم تتعرض له ، وإنما يؤخذ فرض القتال من نصوص أخر ، ولكن يستدل في الآية الكريمة على قبول الجزية من غير أهل الكتاب ، كما هو قول كثير من العلماء ، فمن يكفر بالطاغوت فيترك عبادة ما سوى الله وطاعة الشيطان ، ويؤمن بالله إيمانا تاما أوجب له عبادة ربه وطاعته { فقد استمسك بالعروة الوثقى } أي : بالدين القويم الذي ثبتت قواعده ورسخت أركانه ، وكان المتمسك به على ثقة من أمره ، لكونه استمسك بالعروة الوثقى التي { لا انفصام لها } وأما من عكس القضية فكفر بالله وآمن بالطاغوت ، فقد أطلق هذه العروة الوثقى التي بها العصمة والنجاة ، واستمسك بكل باطل مآله إلى الجحيم { والله سميع عليم } فيجازي كلا منهما بحسب ما علمه منهم من الخير والشر ، وهذا هو الغاية لمن استمسك بالعروة الوثقى ولمن لم يستمسك بها .
وبعد أن ساق - سبحانه - في آية الكرسي الأدلة الواضحة على وحدانيته وعظمته وتنزيهه عن صفات الحوادث ، عقب ذلك ببيان أن الدين الحق قد ظهر وتجلى لكل ذي عقل سليم ، وأنه لا يقسر أحد على الدخول فيه فقال - تعالى - :
{ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين . . . }
لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 256 )
الإكراه معناه : حمل الغيرعلى قول أو فعل لا يريده عن طريق التخويف أو التعذيب أو ما يشبه ذلك . والمراد بالدين دين الإِسلام والألف واللام فيه للعهد .
والرشد : الاستقامة على طريق الحق مع تصلبه فيه ، مصدر رشيد يرشد ويرشد أي اهتدى . والمراد هنا : الحق والهدى .
والغي ضد الرشد . مصدر من غوى يغوي إذا ضل في معتقد أو رأى ، ويرى بعض العلماء أن نفي الإِكراه هنا خبر في معنى النهي ، أي : لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإِسلام فإنه بين واضح في دلائله وبراهينه ، فمن هداه الله له ونور بصيرته دخل فيه على بصيرة ، ومن أضله وأعمى قلبه لا يفيده الإِكراه على الدخول فيه .
وقال بعض العلماء إن الجملة هنا على حالها من الخبرية والمعنى : ليس في الدين - الذي هو تصديق بالقلب ، وإذعان في النفس - إكراه وإجبار من الله - تعالى - لأحد ، لأن مبني هذا الدين على التمكين والاختيار ، وهو مناط الثواب والعقاب ، لولا ذلك لما حصل الابتلاء والاختبار ، ولبطل الامتحان .
أو المعنى : كما يرى بعضهم - إن من الواجب على العاقل بعد ظهور الآيات البينات على أن الإِيمان بدين الإِسلام حق ورشد . وعلى أن الكفر به غي وضلال ، أن يدخل عن طواعية واختيار في دين الإِسلام الذي ارتضاه الله وألا يكره على ذلك بل يختاره بدون قسر أو تردد .
فالجملة الأولى وهي قوله - تعالى - : { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين } : تنفى الإِجبار على الدخول في الدين ، لأن هذا الإجبار لا فائدة من ورائه ، إذ التدين إذعان قلبي ، واتجاه بالنفس والجوارح إلى اله رب العالمين بإرادة حرة مختارة فإذا أكره عليه الإِنسان إزداد كرهاً له ونفوراً منه . فالإِكراه والتدين نقيضان لا يجتمعان ، ولا يمكن أن يكون أحدهما ثمرة للآخرة .
والجملة الثانية وهي قوله - تعالى - : { قَد تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي } بمثابة العلة لنفي هذا الإكراه على الدخول في الدين ، أي قد ظهر الصبح لذي عينين ، وانكشف الحق من الباطل ، والهدى من الضلال وقامت الأدلة الساطعة على دين الإِسلام هو الدين الحق وغيره من الأديان ضلال وكفران وما دام الأمر كذلك فقد توافرت الأسباب التي تدعو إلى الدخول في دين الإِسلام ، ومن كفر به بعد ذلك فليحتمل نتيجة كفره ، وسوء عاقبة أمره .
ثم قال - تعالى - : { فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت وَيْؤْمِن بالله فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى لاَ انفصام لَهَا } .
الطاغوت : اسم لكل ما يطغى الإِنسان ، كالأصنام والأوثان والشيطان وكل رأس في الضلال وكل ما عبد من دون الله . وهو مأخوذ من طغا يطغى - كسعى يسعى - طغياً وطغياناً ، أو من يطغو طغوا طغواناً ، إذا جاوز الحد وغلا في الكفر وأسرف في المعاصي والفجور .
والعروة : في أصل معناها تطلق على ما يتعلق بالشيء من عراه أي من الجهة التي يجب تعليهقمنها ، وتجمع على غرى . والعروة من الدلو والكوز مقبضه . ومن الثوب مدخل زره .
والوثقى : مؤنث الأوثق ، وهو الشيء المحكم الموثق . يقال وثق - بالضم - وثاقه أي : قوى وثبت فهو وثيق أي ثابت محكم .
والانفصام : الانكسار ، والقصم كسر الشيء وقطعة .
والمعنى : فمن خلع الأنداد والأوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة غير الله ، وآمن بالله - تعالى - إيماناً حالصاً صادقاً فقد ثبت أمره واستقام على الطريقة المثلى التي لا انقطاع لها وأمسك من الدين بأقوى سبب وأحكم رباط .
والفاء في قوله : { فَمَنْ يَكْفُر } للتفريع . والسين والتاء في استمسك للتأكيد والطلب ، وقوله : { فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى } فيه - كما يقول الزمخشري - تمثيل للمعلوم بالمنظور والاستدلال بالمشاهد المحسوس حتى بتصوره السامع كأنما ينظر إلأيه بعينه فيحكم اعتقاده والتيقن به ، وجملة { لاَ انفصام لَهَا } استئناف مقرر لما قبله أو حال من " العروة " والعامل " استمسك " .
ثم ختم - سبحانه الآية بقوله : { والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي سميع الأقوال ، وهمسات القلوب ، وخلجات النفوس ، عليم بما يسره الناس وما يعلنونه ، وسيجازيهم بما يستحقون من ثواب أو عقاب .
قال القرطبي ما ملخصه : قيل إن هذه الآية منسوخة بقوله - تعالى - : { ياأيها النبي جَاهِدِ الكفار والمنافقين } لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكره العرب على دين الإِسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلا الإِسلام . وقيل إنهاه لسيت بمنسوخة وإنما نزلت في أهل الكتاب خاصة ، وأنهم لا يكرهون على الإِسلام إذا أدوا الجزية . . والحجة لهذا القول ما رواه زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية : أسلمي أيتها العجوز تسلمي ، إن الله بعث محمداً بالحق .
قالت أنا عجوز كبيرة والموت إلى قريب . فقال عمر : اللهم اشهد وتلا : { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين } .
والذي تسكن إليه النفس أن هذه الآية محكمة غير منسوخة ، لأن التدين لا يكون مع الإِكراه - كما أشرنا من قبل - ولأن الجهاد ما شرع في الإِسلام لإِجبار الناس على الدخول في الإِسلام إذ لا إسلام مع إجبار ، وإنما شرع الجهاد لدفع الظلم ورد العدوان وإعلاء كلمة الله ، والرسول صلى الله عليه وسلم ما قاتل العرب ليكرههم على الدخول في الإِسلام وإنما قاتلهم لأنهم بدأوه بالعدواة .
ولأن الروايات في سبب نزول هذه الآية تؤيد أنه لا إكراه في الدين ، ومن هذه الروايات ما جاء عن ابن عباس أنه قال : نزلت في رجل من الأنجز من بني سالم بن عوف يققال له الحصين كان له ابنان نصرانيان وكان هو مسلما ، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ألا استكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية فأنزل الله هذه الآية وفي رواية أخرى أنه حاول إكراههما على الدخول في الإِسلام فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الأنصاري : يا رسول الله أيدخل بعض النار وأنا أنظر إليه فنزلة هذه الآية .
ولأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا لم يمكن التوفيق بين الآيتين وهنا يمكن التوفيق بأن نقول : إن الآية التي معنا تنفى إكراه الناس على اعتقاد ما لا يريدون وآية { ياأيها النبي جَاهِدِ الكفار والمنافقين } جاءت لحض النبي صلى الله عليه وسلم وحض أصحابه على قتال الكفار الذين وقفوا في طريق دعوته ، حتى يكفوا عن عدوانهم وتكون كلمة الله هي العليا .
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 256 )
{ الدين } في هذه الآية المعتقد والملة ، بقرينة قوله { قد تبين الرشد من الغي } ، والإكراه الذي في الأحكام من الإيمان والبيوع والهبات وغير ذلك ليس هذا موضعه وإنما يجيء في تفسير قوله تعالى : إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان( {[2453]} ) ، فإذا تقرر أن الإكراه المنفي هنا هو في تفسير المعتقد من الملل والنحل فاختلف الناس في معنى الآية( {[2454]} ) ، فقال الزهري : سألت زيد بن أسلم عن قوله تعالى : { لا إكراه في الدين } فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين لا يكره أحدا في الدين ، فأبى المشركون إلا أن يقاتلوهم ، فاستأذن الله في قتالهم فأذن له ، قال الطبري والآية منسوخة في هذا القول .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : ويلزم على هذا ، أن الآية مكية ، وأنها من آيات الموادعة التي نسختها آية السيف ، وقال قتادة والضحاك بن مزاحم : هذه الآية محكمة خاصة في أهل الكتاب الذين يبذلون الجزية ويؤدونها عن يد صغرة ، قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل العرب أهل الأوثان لا يقبل منهم إلا لا إله إلا الله أو السيف( {[2455]} ) ، ثم أمر فيمن سواهم أن يقبل الجزية ، ونزلت فيهم { لا إكراه في الدين } .
قال القاضي أبو محمد : وعلى مذهب مالك في أن الجزية تقبل من كل كافر سوى قريش أي نوع كان( {[2456]} ) ، فتجيء الآية خاصة فيمن أعطى الجزية من الناس كلهم لا يقف ذلك على أهل الكتاب كما قال قتادة والضحاك . وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : إنما نزلت هذه الآية في قوم من الأوس والخزرج كانت المرأة تكون مقلاة لا يعيش لها ولد ، فكانت تجعل على نفسها إن جاءت بولد أن تهوده ، فكان في بني النضير جماعة على هذا النحو ، فلما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير قالت الأنصار كيف نصنع بأبنائنا ، إنما فعلنا ما فعلنا ونحن نرى أن دينهم أفضل مما نحن عليه ، وأما إذ جاء الله بالإسلام فنكرههم عليه ، فنزلت { لا إكراه في الدين } الآية ، وقال بهذا القول عامر الشعبي ومجاهد ، إلا أنه قال كان سبب كونهم في بني النضير الاسترضاع( {[2457]} ) ، وقال السدي نزلت الآية في رجل من الأنصار يقال له أبو حصين ، كان له ابنان ، فقدم تجار من الشام إلى المدينة يحملون الزيت ، فلما أرادوا الرجوع أتاهم ابنا أبي حصين فدعوهما إلى النصرانية فتنصرا ومضيا معهم إلى الشام فأتى أبوهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتكياً أمرهما ، ورغب في أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يردهما ، فنزلت { لا إكراه في الدين } ، ولم يؤمر يومئذ بقتال أهل الكتاب ، وقال : أبعدهما الله هما أول من كفر ، فوجد أبو الحصين في نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لم يبعث في طلبهما ، فأنزل الله جل ثناؤه :{ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم }( {[2458]} ) [ النساء : 65 ] ، ثم إنه نسخ { لا إكراه في الدين } ، فأمر بقتال أهل الكتاب في سورة براءة .
قال القاضي أبو محمد : والصحيح في سبب قوله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون } ، حديث الزبير مع جاره الأنصاري في حديث السقي( {[2459]} ) ، وقوله تعالى : { قد تبين الرشد من الغي } معناه بنصب الأدلة ووجود الرسول الداعي إلى الله والآيات المنيرة ، و { الرشد } مصدر من قولك رَشِد بكسر الشين وضمها( {[2460]} ) يرشد رُشْداً وَرشَداً وَرَشَاداً ، و { الغي } مصدر من غوى يغوي إذا ضل في معتقد أو رأي ، ولا يقال الذي في الضلال على الإطلاق ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي «الرشاد » بالألف ، وقرأ الحسن والشعبي ومجاهد «الرَّشَد » بفتح الراء والشين . وروي عن الحسن «الرُّشُد » بضم الراء والشين ، و { الطاغوت } بناء مبالغة من طغى يطغى ، وحكى الطبري «يطغو » إذا جاوز الحد بزيادة عليه ، وزنه فعلوت ، ومذهب سيبويه أنه اسم مفرد كأنه اسم جنس يقع للكثير والقليل ، ومذهب أبي على أنه مصدر كرهبوت وجبروت وهو يوصف به الواحد والجمع( {[2461]} ) ، وقلبت لامه إلى موضع العين ، وعينه موضع اللام فقيل : طاغوت( {[2462]} ) ، وقال المبرد : هو جمع ، وذلك مردود .
واختلف المفسرون في معنى { الطاغوت } ، فقال عمر بن الخطاب ومجاهد والشعبي والضحاك وقتادة والسدي : { الطاغوت } : الشيطان . وقال ابن سيرين وأبو العالية : { الطاغوت } : الساحر : وقال سعيد بن جبير ورفيع( {[2463]} ) وجابر بن عبد الله وابن جريج : { الطاغوت } : الكاهن . قال أبو محمد : وبين أن هذه أملثة في الطاغوت لأن كل واحد منها له طغيان ، والشيطان أصل ذلك كله ، وقال قوم : { الطاغوت } : الأصنام ، وقال بعض العلماء : كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت .
قال القاضي أبو محمد : وهذه تسمية صحيحة في كل معبود يرضى ذلك كفرعون ونمرود ونحوه ، وأما من لا يرضى ذلك كعزير وعيسى عليهما السلام ومن لا يعقل كالأوثان فسميت طاغوتاً في حق العبدة ، وذلك مجاز . إذ هي بسبب الطاغوت( {[2464]} ) الذي يأمر بذلك ويحسنه وهو الشيطان ، وقدم تعالى ذكر الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله ليظهر الاهتمام بوجوب الكفر بالطاغوت( {[2465]} ) . و { العروة } في الأجرام وهي موضع الإمساك وشد الأيدي ، و { استمسك } معناه قبض وشد يديه ، و { الوثقى } فعلى من الوثاقة ، وهذه الآية تشبيه ، واختلفت عبارة المفسرين في الشيء المشبه { بالعروة } ، فقال مجاهد : العروة الإيمان . وقال السدي : الإسلام . وقال سعيد بن جبير والضحّاك : العروة لا إله إلا الله .
قال القاضي أبو محمد : وهذه عبارات ترجع إلى معنى واحد( {[2466]} ) ، والانفصام : الانكسار من غير بينونة ، وإذا نفي ذلك فلا بينونة بوجه ، والفصم كسر ببينونة ، وقد يجيء الفصم بالفاء في معنى البينونة( {[2467]} ) ، ومن ذلك قول ذي الرمة : [ البسيط ]
كأنه دملج من فضة نبه . . . في ملعب من عذارى الحي مفصوم( {[2468]} )
ولما كان الكفر بالطاغوت والإيمان بالله مما ينطق به اللسان ويعتقده القلب حسن في الصفات { سميع } من أجل النطق و { عليم } من أجل المعتقد .