تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٖ} (51)

{ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ } بصحة ، أو رزق ، أو غيرهما { أَعْرَضَ } عن ربه وعن شكره { وَنَأَى } ترفع { بِجَانِبِهِ } عجبا وتكبرًا . { وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ } أي : المرض ، أو الفقر ، أو غيرهما { فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ } أي : كثير جدًا ، لعدم صبره ، فلا صبر في الضراء ، ولا شكر في الرخاء ، إلا من هداه الله ومنَّ عليه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٖ} (51)

ثم أكد - سبحانه - ما ذكره من حالات الإِنسان فقال : { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان } بنعمة من نعمنا التى توجب عليه شكرنا وطاعتنا .

{ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ } أى : أعرض عن شكرنا وطاعتنا ، وتكبر وتفاخر على غيره وادعى أن هذه النعمة من كسبه واجتهاده .

وقوله { وَنَأَى بِجَانِبِهِ } كناية عن الانحراف والتكبر والصلف والبطر .

والنأْى البعد . يقال : نأى فلان عن مكان كذا ، إذا تباعد عنه .

وقوله - تعالى - : { وَإِذَا مَسَّهُ الشر فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ } بيان لحالة هذا الإِنسان فى حالة الشدة والضر .

أى : هكذا حالة هذا الإِنسان الجاحد ، فى حالة إعطائنا النعمة له يتكبر ويغتر ويجحد .

وفى حالة إنزال الشدائد به يتضرع ويتذلل إلينا بالدعاء الكثير الواسع .

وفى معنى هذه الآيات الكريمة ، جاءت آيات كثيرة ، منها قوله - تعالى - : { كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى . أَن رَّآهُ استغنى } وقوله - تعالى - : { إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً . إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً . وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً }

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٖ} (51)

{ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض } عن الشكر . { ونأى بجانبه } وانحرف عنه أو ذهب بنفسه وتباعد عنه بكليته تكبرا ، والجانب مجاز عن النفس كالجنب في قوله : { في جنب الله } . { وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض } كثير مستعار مما له عرض متسع للإشعار بكثرته واستمراره ، وهو أبلغ من الطويل إذ الطول أطول الامتدادين ، فإذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله ؟

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٖ} (51)

ذكر الله تعالى الخلق الذميمة من الإنسان جملة ، وهي في الكفار بينه متمكنة ، وأما المؤمن في الأغلب فيشكر عند النعمة ، وكثيراً ما يصبر عند الشدة .

وقرأ جمهور والناس : «ونأى بجانبه » الهمزة عين الفعل . وقرأ ابن عامر : «وناء » الهمزة لام الفعل ، وهي قراءة أبي جعفر ، والمعنى فيهما واحد . قال أبو علي : ناء قلب ابن آدم فعل فلع ، ومنه قول الشاعر [ كثير ] : [ الطويل ]

وكل خليل راءني فهو قائل . . . من اْجِلِك هذا هامة اليوم أو غد{[10099]}

ومنه قول الآخر : [ الطويل ]

وقد شاءني أهل السباق وأمعنوا{[10100]} . . .

{ ونأى } معناه : بعد ولم يمل إلى شكر ولا طاعة .

وقوله : { فذو دعاء عريض } أي طويل أيضاً ، فاستغنى بالصفة الواحدة عن لزيمتها ، إذ العرض يقتضي الطول ويتضمنه ، ولم يقل طويل ، لأن الطويل قد لا يكون عريضاً ، ف { عريض } أدل على الكثرة .


[10099]:البيت لكثير عزة، وهو كثير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة، وعزة صاحبته، وقد نسب إليها، وهي من ضمرة، وبشعره فيها أصبح من عشاق العرب المشهورين، والبيت في الديوان، وفي اللسان (هوم)، والخليل: الصديق الخالص (فعيل بمعنى مفاعل) وراءني: مقلوب رآني، وهو موضع الشاهد هنا، والعرب تقول: رآني فلان بوزن رعاني، وتقول: راءني بوزن راعني، كما تقول: نأى فلان عني ينأى إذا بعد، وناء عني بوزن باع على القلب. (راجع اللسان في المادتين)، والهامة: الرأس، والجمع: هام، وكانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لم يدرك بثأره تصير هامة فتزقو عند قبره وتقول: اسقوني، اسقوني، فإذا أدرك بثأره طارت، وكانوا يقولون: إن القتيل تخرج هامة من هامته فلا تزال تقول: اسقوني، اسقوني حتى يقتل قاتله، ومنه قول ذي الإصبع العدواني: يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي أضربك حتى تقول الهامة اسقوني ويقال: هذا هامة اليوم أو غد، أي يموت اليوم أو غدا، وهذا معنى قول كثير في البيت: (هذا هامة اليوم أوغد)، والمعنى: إن كل صديق مخلص رآني يقول: إني لا محالة سأموت اليوم أو غدا.
[10100]:يستشهد ابن عطية بهذا الشطر من الشعر على أن (شاءني) مقلوب (شآني). وهذا موجود في القاموس المحيط. قال: (شاءني: سبقني... يشوء ويشيء، قلب شآني)، ونفهم من هذا أن معنى (شاءني) هو سبقني، وأنه مقلوب (شآني) على وزن رعاني، وأنكر صاحب التاج عليه حكاية القلب هذه فقال: (وزعم أنه مقلوب ل شأى يشئى- على وزن رمى يرمي- وهذا غلط لأن مادة (شأى) مهموز العين). هذا ولم نجد هذا الشطر في كتب المفسرين ولا في كتب اللغة التي بين أيدينا- ولم نقف على قائله.