الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٖ} (51)

قوله تعالى : " وإذا أنعمنا على الإنسان " يريد الكافر وقال ابن عباس : يريد عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف أعرضوا عن الإسلام وتباعدوا عنه . " أعرض ونأى بجانبه " " نأى بجانبه " أي ترفع عن الانقياد إلى الحق وتكبر على أنبياء الله . وقيل : " نأى " تباعد . يقال : نأيته ونأيت عنه نأيا بمعنى تباعدت عنه ، وأنأيته فانتأى : أبعدته فبعد ، وتناؤوا تباعدوا ، والمنتأى الموضع البعيد . قال النابغة :

فإنَّكَ كالليل الذي هو مُدْرِكِي *** وإن خِلْتُ أنَّ المُنْتَأَى عنكَ وَاسِعُ

وقرأ يزيد بن القعقاع و " ناء بجانبه " بالألف قبل الهمزة . فيجوز أن يكون من " ناء " إذا نهض . ويجوز أن يكون على قلب الهمزة بمعنى الأول . " وإذا مسه الشر " أي أصابه المكروه " فذو دعاء عريض " أي كثير ، والعرب تستعمل الطول والعرض في الكثرة . يقال : أطال فلان في الكلام وأعرض في الدعاء إذا أكثر . وقال ابن عباس : " فذو دعاء عريض " فذو تضرع واستغاثة . والكافر يعرف ربه في البلاء ولا يعرفه في الرخاء .