فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٖ} (51)

{ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان } أي على هذا الجنس باعتبار غالب أفراده { أَعْرَضَ } عن الشكر { وَنَأَى بِجَانِبِهِ } أي ترفع عن الانقياد للحق وتكبر وتجبر ، والجانب هنا مجاز عن النفس ، ويقال : نأيت ، وتناءيت ، أي : بعدت وتباعدت ، والمنتأى : الموضع البعيد . ومنه قول النابغة :

فإنك كالليل الذي هو مدركي *** وإن خلت أن المنتأى عنك واسع

وقرأ يزيد بن القعقاع : " وناء بجانبه " بالألف قبل الهمزة { وَإِذَا مَسَّهُ الشر } أي البلاء ، والجهد ، والفقر ، والمرض { فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ } أي كثير ، والعرب تستعمل الطول والعرض في الكثرة مجازاً ، يقال : أطال فلان في الكلام ، وأعرض في الدعاء : إذا أكثر ، والمعنى : أنه إذا مسه الشرّ تضرّع إلى الله ، واستغاث به أن يكشف عنه ما نزل به ، واستكثر من ذلك ، فذكره في الشدّة ، ونسيه في الرخاء ، واستغاث به عند نزول النقمة ، وتركه عند حصول النعمة ، وهذا صنيع الكافرين ، ومن كان غير ثابت القدم من المسلمين .

/خ54