تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٖ} (51)

المفردات :

ونأى بجانبه : تباعد عن دعاء الله وذكره ، كناية عن الانحراف والتكبر والصلف .

ذو دعاء عريض : كثير مستمر ، مستعار مما له عرض متسع ، إشارة إلى كثرته .

التفسير :

51- { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض } .

من طبيعة الإنسان أنه إذا كثرت عليه النعمة والرخاء ، والمال والجاه والسلطان ؛ استمتع بالنعمة ، وأغراه الجاه والسلطان ، واستغنى عن دعاء الله والتضرع إليه ، وأعرض عن الله مسرفا على نفسه بالمعاصي .

قال تعالى : { كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى } . ( العلق : 6 ، 7 ) .

وإذا تغير الحال وافتقر بعد الغنى ، أو مرض بعد الصحة ، أو ذل بعد الرفعة : اجتهد في الدعاء ، وأكثر من الرجاء ، فلا يعرف الله في حال النعمة بالشكر والحمد ، بل يقابل النعمة بالإعراض عن الله ، والانحراف عن الجادة ، فإذا أصابه الشر والفقر والمرض والذل ؛ عرف باب الله في دعاء عريض كثير .

قال الرازي في تفسيره الكبير :

استعير العرض لكثرة الدعاء ، كما استعير الغلظ لشدة العذاب .

ملحوظة :

في الآية 49 من سورة فصلت :

{ لا يسئم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط } .

وفي الآية 51 من نفس السورة :

{ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض } .

ولا منافاة بين قوله تعالى : { فيئوس قنوط } .

وبين قوله تعالى : { فذو دعاء عريض } .

مع أن كلا القولين عند مس الشر ، لأن الأول في قوم ، والثاني في قوم آخرين ، أو يئوس قنوط بالقلب ، وذو دعاء عريض باللسان ، إن حالة الكافر أو العاصي تتلخص في حب المال ، واليأس والقنوط من ذهاب النعمة ، ولذلك فهو يتشبث بالدعاء العريض الكثير لترد عليه النعمة ، أما المؤمن فعنده يقين بالله ، إذا جاءت النعمة شكر الله وأنفق النعمة في وجوه الخير ، وإذا جاءت الشدة صبر واحتسب ثوابه عند الله .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، إن أصابته نعماء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له )2 .