الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٖ} (51)

هذا أيضاً ضرب آخر من طغيان الإنسان إذا أصابه الله بنعمة أبطرته النعمة ، وكأنه لم يلق بؤساً قط فنسى المنعم وأعرض عن شكرة { وَنَئَا بِجَانِبِهِ } أي ذهب بنفسه وتكبر وتعظم . وإن مسه الضرّ والفقر : أقبل على دوام الدعاء وأخذ في الابتهال والتضرع . وقد استعير العرض لكثرة الدعاء ودوامه وهو من صفة الأجرام ويستعار له الطويل أيضاً كما استعير الغلظ بشدّة العذاب . وقرىء «ونأى بجانبه » بإمالة الألف وكسر النون للإتباع . وناء على القلب ، كما قالوا : راء في رأي .

فإن قلت : حقق لي معنى قوله تعالى : { وَنَئَا بِجَانِبِهِ } قلت : فيه وجهان : أن يوضع جانبه موضع نفسه كما ذكرنا في قوله تعالى : { على مَا فَرَّطَتُ فِى جَنبِ الله } [ الزمر : 56 ] أن مكان الشيء وجهته ينزل منزلة الشيء نفسه ، ومنه قوله :

. . . . . . . . . وَنَفَيْتُ عَنْه *** مَقَامَ الذِّئْبِ . . . . . . . . .

يريد : ونفيت عنه الذئب . ومنه : { ولمن خاف مقام ربه } [ الرحمن : 46 ] . ومنه قول الكتاب : حضرة فلان ومجلسه ، وكتبت إلى جهته وإلى جانبه العزيز ، يريدون نفسه وذاته ، فكأنه قال : ونأى بنفسه ، كقولهم في المتكبر ذهب بنفسه ، وذهبت به الخيلاء كل مذهب ، وعصفت به الخيلاء ؛ وأن يراد بجانبه : عطفه ، ويكون عبارة عن الانحراف والازورار ؛ كما قالوا : ثنى عطفه ، وتولى بركنه .