فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٖ} (51)

{ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ } أي على هذا الجنس من حيث هو باعتبار غالب أفراده { أَعْرَضَ } عن الشكر { وَنَأَى بِجَانِبِهِ } أي ترفع عن الانقياد للحق ، وتكبر وتجبر ، وثنى عطفه متبخترا ، كناية عن الإعراض . وقيل : انحرف عنه أو ذهب بنفسه وتباعد عنه بكليته تكبرا والجانب هنا مجاز عن النفس ، ونأى بمعنى بعد ، يقال : نأيت وتناءيت أي بعدت وتباعدت والمنتأى الموضع البعيد ، وقرئ ناء بالألف قبل الهمزة .

{ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ } أي البلاء والجهد والفقر والمرض { فَذُو } أي فهو ذو { دُعَاءٍ عَرِيضٍ } أي كثير ، والعرب تستعمل العرض والطول في الكثرة مجازا يقال : أطال فلان في الكلام وأعرض في الدعاء إذا أكثر ، فهو مستعار مما له عرض متسع ، للإشعار بكثرته ، فإن العريض يكون ذا أجزاء كثيرة ، والاستعارة تخييلية ، شبه الدعاء بأمر يوصف بالامتداد ، ثم ثبت له العرض قاله الكرخي والطول أطول الامتدادين ، فإذا كان عرضه كذالك فما ظنك بطوله ، أفاده أبو السعود .

والمعنى أنه إذا مسه الشر تضرع إلى الله واستغاث به أن يكشف عنه ما نزل به ، واستكثر من ذلك فذكره في الشدة ونسيه في الرخاء ، واستغاث به عند نزول النقمة ، وتركه عند حصول النعمة وهذا صنيع الكافرين ، ومن كان غير ثابت القدم من المسلمين قال الشهاب فإن قلت : كونه يدعو دعاء طويلا عريضا ينافي وصفه قبل هذا بأنه يؤوس قنوط ، لأن الدعاء فرع الطمع والرجاء ، وقد اعتبر في القنوط ظهور أثر اليأس ، فظهور ما يدل على الرجاء يأباه ، قلت : يمكن دفع المنافاة بحمله على عدم اتحاد الأوقات والأحوال انتهى ، أو لعل هذا شأن بعض غير البعض الذي حكى عنه اليأس والقنوط ، أو شأن الكل في بعض الأوقات ، ذكره أبو السعود .