تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (26)

ثم امتن عليهم بما يسر لهم من اللباس الضروري ، واللباس الذي المقصود منه الجمال ، وهكذا سائر الأشياء ، كالطعام والشراب والمراكب ، والمناكح ونحوها ، قد يسر اللّه للعباد ضروريها ، ومكمل ذلك ، و[ بين لهم ]{[310]}  أن هذا ليس مقصودا بالذات ، وإنما أنزله اللّه ليكون معونة لهم على عبادته وطاعته ، ولهذا قال : { وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ } من اللباس الحسي ، فإن لباس التقوى يستمر مع العبد ، ولا يبلى ولا يبيد ، وهو جمال القلب والروح .

وأما اللباس الظاهري ، فغايته أن يستر العورة الظاهرة ، في وقت من الأوقات ، أو يكون جمالا للإنسان ، وليس وراء ذلك منه نفع .

وأيضا ، فبتقدير عدم هذا اللباس ، تنكشف عورته الظاهرة ، التي لا يضره كشفها ، مع الضرورة ، وأما بتقدير عدم لباس التقوى ، فإنها تنكشف عورته الباطنة ، وينال الخزي والفضيحة .

وقوله : { ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } أي : ذلك المذكور لكم من اللباس ، مما تذكرون به ما ينفعكم ويضركم وتشبهون{[311]}  باللباس الظاهر على الباطن .


[310]:- زيادة من هامش ب.
[311]:- هكذا في أ، وفي ب: وتستعينون.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (26)

وبعد أن قص القرآن على بنى آدم قصة خلقهم وتصويرهم وما جرى بين أبيهم وبين إبليس ، وكيف أن إبليس قد خدع آدم وزوجه خداعا ترتب عليه إخراجهما من الجنة . بعد كل ذلك أورد القرآن أربع نداءات لبنى آدم حضهم فيها على تقوى الله وحذرهم من وسوسة الشيطان وذكرهم بنعمه عليهم ، فقال في النداء الأول : { يابني ءَادَمَ . . . } .

السوءة : العورة . والريش : لباس الزينة ، استعير من ريش الطائر ، لأنه لباسه وزينته . وقال الجوهرى : " الريش والرياش بمعنى كاللبس واللباس ، وهو اللباس الفاخر " .

والمعنى : يا بنى آدم تذكروا واعتبروا واشكروا الله على ما حباكم من نعم ، فإنه - سبحانه - قد هيأ لكم سبيل الحصول على الملبس الذي تسترون به عوراتكم ، وتتزينون به في مناسبات التجمل والتعبد .

والمراد بإنزال ما ذكر أنه خلق لبنى آدم مادة هذا اللباس التي تتكون من القطن والصوف والحرير وما إليها ، وألهمهم بما خلق فيهم من غرائز طرق استنباتها وصناعتها بالغزل والنسج والخياطة .

والتعبير بأنزلنا يفيد خصوصية البشر باللباس الذي يستر العورة ، وبالرباش التي يتزينون بها ، أى أنزلنا عليكم لباسين : لباسا يوارى سوآتكم ، ولباسا يزينكم ، لأن الزينة غرض صحيح وحبها من طبيعة البشر . قال - تعالى - : { والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } قال الجمل : " وقوله - تعالى - : { وَرِيشاً } يحتمل أن يكون من باب عطف الصفات . والمعنى : أنه وصف اللباس بوصفين : مواراة السوأة ، والزينة . ويحتمل أن يكون من باب عطف الشىء على غيره . أى : أنزلنا عليكم لباسا موصوفا بالمواراة ، ولباسا موصوفا بالزينة " .

ثم بين - سبحانه - أن هناك لباسا آخر أفضل وأكمل من كل ذلك فقال : { وَلِبَاسُ التقوى ذلك خَيْرٌ } أى : أن اللباس الذي يصون النفس من الدنايا والأرجاس ، ويسترها بالإيمان والعمل الصالح هو خير من كل لباس حسى يتزين به البشر . فاسم الإشارة هنا يعود على لباس التقوى . وقد عبر القرآن هنا عن التقوى بأنها لباس ، وعبر عنها في موضع آخر بأنها زاد مشاكلة للسياق الذي وردت فيه هنا أو هناك . وذلك من باب تجسيم المعنويات وتنسيقها مع الجو العام الذي ورت فيه ، وتلك طريقة انفرد بها القرآن الكريم .

قال صاحب الكشاف : وقوله : { وَلِبَاسُ التقوى } مبتدأ ، وخبره إما الجملة التي هى { ذلك خَيْرٌ } كأنه قيل : ولباس التقوى هو خير ، لأن أسماء الإشارة تقرب من الضمائر فيما يرجع إلى عود الذكر . وإما المفرد الذي هو خير ، وذلك صفة للمبتدأ ، كأنه قيل : ولباس التقوى المشار إليه خير " .

وقوله - تعالى - : { ذلك مِنْ آيَاتِ الله لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } معناه : ذلك الذي أنزله الله على بنى آدم من النعم من دلائل قدرته وإحسانه عليهم ، لعلهم بعد ذلك لا يعودون إلى النسيان الذي أوقع أبويهم في المعصية .

قال صاحب الكشاف : وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقب ذكر ظهور العورات وخصف الورق عليها ، إظهارا للمنة فيما خلق من اللباس ، ولما في العرى وكشف العورة من المهانة والفضيحة ، وإشعاراً بأن التستر باب عظيم من أبواب التقوى .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (26)

{ يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا } أي خلقناه لكم بتدبيرات سماوية وأسباب نازلة ، ونظيره قوله تعالى : { وأنزل لكم من الأنعام } وقوله تعالى : { وأنزلنا الحديد } . { يواري سوآتكم } التي قصد الشيطان إبداءها ، ويغنيكم عن خصف الورق . روي : أن العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ويقولون لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها ، فنزلت . ولعله ذكر قصة آدم مقدمة لذلك حتى يعلم أن انكشاف العورة أول سوء أصاب الإنسان من الشيطان ، وأنه أغواهم في ذلك كما أغوى أبويهم . { وريشا } ولباسا تتجملون به ، والريش الجمال . وقيل مالا ومنه تريش الرجل إذا تمول . وقرئ " رياشا " وهو جمع ريش كشعب وشعاب . { ولباس التقوى } خشية الله . وقيل الإيمان . وقيل السمت الحسن . وقيل لباس الحرب ورفعه بالابتداء وخبره : { ذلك خير } أو خبر وذلك صفته كأنه قيل : ولباس التقوى المشار إليه خير . وقرأ نافع وابن عامر والكسائي { ولباس التقوى } بالنصب عطفا على { لباسا } . { ذلك } أي إنزال اللباس . { من آيات الله } الدالة على فضله ورحمته . { لعلهم يذكّرون } فيعرفون نعمته أو يتعظون فيتورعون عن القبائح .