تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱقۡتَرَبَ ٱلۡوَعۡدُ ٱلۡحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَٰخِصَةٌ أَبۡصَٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَٰوَيۡلَنَا قَدۡ كُنَّا فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا بَلۡ كُنَّا ظَٰلِمِينَ} (97)

{ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ } أي : يوم القيامة الذي وعد الله بإتيانه ، ووعده حق وصدق ، ففي ذلك اليوم ترى أبصار الكفار شاخصة ، من شدة الأفزاع والأهوال المزعجة ، والقلاقل المفظعة ، وما كانوا يعرفون من جناياتهم وذنوبهم ، وأنهم يدعون بالويل والثبور ، والندم والحسرة ، على ما فات ويقولون ل : { قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا } اليوم العظيم ، فلم نزل فيها مستغرقين ، وفي لهو الدنيا متمتعين ، حتى أتانا اليقين ، ووردنا القيامة ، فلو كان يموت أحد من الندم والحسرة ، لماتوا . { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } اعترفوا بظلمهم ، وعدل الله فيهم ، فحينئذ يؤمر بهم إلى النار ، هم وما كانوا يعبدون ، ولهذا قال : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱقۡتَرَبَ ٱلۡوَعۡدُ ٱلۡحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَٰخِصَةٌ أَبۡصَٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَٰوَيۡلَنَا قَدۡ كُنَّا فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا بَلۡ كُنَّا ظَٰلِمِينَ} (97)

وقوله : { واقترب الوعد الحق . . . } معطوف على { فُتِحَتْ } أى : فتح السد الذى كان على يأجوج ومأجوج ، وقرب موعد الحساب والجزاء .

قال الآلوسى : وهو ما بعد النفخة الثانية لا النفخة الأولى . وهذا الفتح لسد يأجوج ومأجوج يكون فى زمن نزول عيسى من السماء ، وبعد قتله الدجال .

فقد أخرج مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه من حديث طويل : إن الله - تعالى - يوحى إلى عيسى بعد أن يقتل الدجال : أنى قد أخرجت عبادا من عبادى ، لا يدان لك بقتالهم ، فحرز عبادى إلى الطور ، فيبعث الله - تعالى - يأجوج ومأجوج وهم كما قال - سبحانه - { مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } ثم يرسل الله عليهم نغفا - فى رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس واحدة " .

وقوله : فإذا هى شاخصة أبصار الذين كفروا . . . جواب للشرط وهو قوله : تعالى - قبل ذلك { إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ } .

والضمير " هى " للقصة والشأن . و " إذا " للمفاجأة .

قال الجمل : قوله : { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الذين كَفَرُواْ . . . } فيه وجهان : أحدهما - وهو الأجود - أن يكون هى ضمير القصة . وشاخصة : خبر مقدم . وأبصار : مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر لهى لأنها لا تفسير إلا بجملة مصرح بجزأيها . . " .

والمعنى : لقد تحقق ما أخبرنا به من أمارات الساعة ، ومن خروج يأجوج ومأجوج ، ومن عودة الخلق إلينا للحساب . . . ورأى المشركون كل ذلك ، فإذا بأبصارهم مرتفعة الأجفان لا تكاد تطرف من شدة الهول والفزع .

يقال : شخص بصر فلان يشخص شخوصا فهو شاخص ، إذا فتح عينيه وصار لا يستطيع تحريكهما .

وقوله : { ياويلنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هذا } مقول لقول محذوف .

أى : أن هؤلاء الكافرين يقولون وهم شاخصو البصر : يا هلاكنا أقبل فهذا أوانك ، فإننا قد كنا فى الدنيا فى غفلة تامة عن هذا اليوم الذى أحضرنا فيه للحساب .

وقوله : { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } إضراب عن وصف أنفسهم بالغفلة ، إلى وصفها بالظلم وتجاوز الحدود .

أى : لم نكن فى الحقيقة فى غفلة عن هذا اليوم وأهواله ، فقد أخبرنا رسلنا به ، بل الحقيقة أننا كنا ظالمين لهؤلاء الرسل لأننا لم نطعمهم ، وكنا ظالمين لأنفسنا حيث عرضناها لهذا العذاب الأليم .

وهكذا يظهر الكافرون الندامة والحسرة فى يوم لا ينفعهم فيه ذلك .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱقۡتَرَبَ ٱلۡوَعۡدُ ٱلۡحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَٰخِصَةٌ أَبۡصَٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَٰوَيۡلَنَا قَدۡ كُنَّا فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا بَلۡ كُنَّا ظَٰلِمِينَ} (97)

وقوله : { وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ } يعني : يوم القيامة ، إذا وُجدت هذه الأهوال والزلازل والبلابل ، أزفت الساعة واقتربت ، فإذا كانت ووقعت قال الكافرون : { هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } [ القمر : 8 ] . ولهذا قال تعالى : { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا } أي : من شدة ما يشاهدونه من الأمور العظام : { يَا وَيْلَنَا } أي : يقولون : { يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا } أي : في الدنيا ، { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } ، يعترفون بظلمهم لأنفسهم ، حيث لا ينفعهم ذلك .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱقۡتَرَبَ ٱلۡوَعۡدُ ٱلۡحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَٰخِصَةٌ أَبۡصَٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَٰوَيۡلَنَا قَدۡ كُنَّا فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا بَلۡ كُنَّا ظَٰلِمِينَ} (97)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الّذِينَ كَفَرُواْ يَوَيْلَنَا قَدْ كُنّا فِي غَفْلَةٍ مّنْ هََذَا بَلْ كُنّا ظَالِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : حتى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج ، اقترب الوعد الحقّ ، وذلك وعد الله الذي وعد عباده أنه يبعثهم من قبورهم للجزاء والثواب والعقاب ، وهو لا شكّ حق كما قال جلّ ثناؤه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو ، يعني ابن قيس ، قال : حدثنا حذيفة : لو أن رجلاً افْتَلَى فُلُوّا بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم القيامة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَاقْتَرَبَ الوَعْد الحَقّ قال : اقترب يوم القيامة منهم .

والواو في قوله : وَاقْتَرَب الْوَعْدُ الحَقّ مقحمة ، ومعنى الكلام : حتى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحقّ ، وذلك نظير قوله : فَلَمّا أسْلَما وَتَلّهُ للجَبِينِ وَنادَيناهُ معناه : ناديناه ، بغير واو ، كما قال امرؤ القيس :

فَلَمّا أجَزْنا ساحَة الحَيّ وانْتَحَى *** بِنا بَطْنُ خَبْتٍ ذي حِقافٍ عَقَنْقَلِ

يريد : فلما أجزنا ساحة الحيّ انتحى بنا .

وقوله : فإذَا هِيَ شاخِصَةٌ أبْصَارُ الّذِينَ كَفَرُوا ففي هي التي في قوله فإذا هي وجهان : أحدهما أن تكون كناية عن الأبصار وتكون الأبصار الظاهرة بيانا عنها ، كما قال الشاعر :

لَعَمْرُو أبِيها لا تَقُولُ ظَعِينَتي *** ألا فَرّ عَنّي مالكُ بن أبي كَعْبِ

فكنى عن الظعينة في : «لعمرو أبيها » ، ثم أظهرها ، فيكون تأويل الكلام حينئذٍ : فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفروا .

والثاني : أن تكون عمادا كما قال جلّ ثناؤه : فإنّها لا تَعْمَى الأبْصَارُ وكقول الشاعر :

*** فَهَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ بِما هَهُنا رأْسْ ***

وقوله : يا وَيْلَنا قَدْ كُنّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا يقول تعالى ذكره : فإذا أبصار الذين كفروا قد شخصت عند مجيء الوعد الحقّ بأهواله وقيام الساعة بحقائقها ، وهم يقولون : يا ويلنا قد كنا قبل هذا الوقت في الوقت في الدنيا في غفلة من هذا الذي نرى ونعاين ونزل بنا من عظيم البلاء . وفي الكلام متروك تُرِك ذكره استغناء بدلالة ما ذُكر عليه عنه ، وذلك «يقولون » من قوله : فإذَا هِيَ شاخصَةٌ أبْصَارُ الّذِينَ كَفَرُوا يقولون : يا ويلنا . وقوله : بَلْ كُنّا ظالِمِينَ يقول مخبرا عن قيل الذين كفروا بالله يومئذٍ : ما كنا نعمل لهذا اليوم ما ينجينا من شدائده ، بل كنا ظالمين بمعصيتنا ربنا وطاعتنا إبليس وجنده في عبادة غير الله عزّ وجلّ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱقۡتَرَبَ ٱلۡوَعۡدُ ٱلۡحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَٰخِصَةٌ أَبۡصَٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَٰوَيۡلَنَا قَدۡ كُنَّا فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا بَلۡ كُنَّا ظَٰلِمِينَ} (97)

وقوله تعالى : { واقترب الوعد الحق } يريد يوم القيامة ، وروي في الحديث «أن الرجل ليتخذ الفلو بعد يأجوج ومأجوج فلا يبلغ منفعته حتى تقوم الساعة »{[8282]} ، وقوله تعالى : { هي } ، مذهب سيبويه أنها ضمير القصة كأنه قال فإذا القصة أو الحادثة { شاخصة أبصار } وجوز الفراء أن تكون ضمير الإبصار تقدمت لدلالة الكلام ويجيء ما يفسرها وأنشد على ذلك : [ الطويل ]

فلا وأبيها لا تقول حليلتي . . . ألا فرَّعني مالك بن أبي كعب{[8283]}

والشخوص بالعين إحداد النظر دون أن يطرف ، وذلك يعتري من الخوف المفرط أو علة أو نحوه ، وقوله : { يا ويلنا } تقديره يا ويلنا لقد كانت بنا غفلة عما وجدنا الآن وتبينا الآن من الحقائق ثم تركوا الكلام الأول ورجعوا إلى نقد ما كان يداخلهم من تعهد الكفر وقصد الإعراض فقالوا { بل كنا ظالمين } .


[8282]:أخرجه ابن جرير عن حذيفة رضي الله عنه، ولفظه كما في الدر المنثور: (قال: لو أن رجلا اقتنى فلوا بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة)، والفلو والفلو: الجحش أو المهر يفطم أو يبلغ السنة. والجمع أفلاء.
[8283]:البيت لمالك بن أبي كعب، وهو من شعر يقوله في حرب كانت بينه وبين رجل من بني ظفر. (انظر الأغاني)، والرواية في (معاني القرآن) للفراء: "لعمرو أبيها لا تقول ظعيني". وكذلك ذكره الطبري، والفراء في كتابه (معاني القرآن) يقول: "تكون (هي) عمادا يصلح في موضعها (هو) فتكون كقوله: {إنه أنا الله العزيز الحكيم}، ومثله قوله: {فإنها لا تعمى الأبصار}، فجاء التأنيث لأن الأبصار مؤنثة والتذكر للعماد، وسمعت بعض العرب يقول: كان مرة وهو ينفع الناس أحسابهم، فجعل (هو) عمادا، وإن شئت جعلت (هي) للأبصار، كنيت عنها ثم أظهرت الأبصار لتفسرها، كما قال الشاعر: "لعمر أبيها..." البيت؛ فذكر الظعينة، وقد كنى عنها في (لعمر أبيها).