تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡيَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (33)

ثم ذكر المحرمات التي حرمها اللّه في كل شريعة من الشرائع فقال : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ } أي : الذنوب الكبار التي تستفحش وتستقبح لشناعتها وقبحها ، وذلك كالزنا واللواط ونحوهما .

وقوله : { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } أي : الفواحش التي تتعلق بحركات البدن ، والتي تتعلق بحركات القلوب ، كالكبر والعجب والرياء والنفاق ، ونحو ذلك ، { وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ } أي : الذنوب التي تؤثم وتوجب العقوبة في حقوق اللّه ، والبغي على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم ، فدخل في هذا الذنوبُ المتعلقةُ بحق اللّه ، والمتعلقةُ بحق العباد .

{ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا } أي : حجة ، بل أنزل الحجة والبرهان على التوحيد . والشركُ هو أن يشرك مع اللّه في عبادته أحد من الخلق ، وربما دخل في هذا الشرك الأصغر كالرياء والحلف بغير اللّه ، ونحو ذلك .

{ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه ، فكل هذه قد حرمها اللّه ، ونهى العباد عن تعاطيها ، لما فيها من المفاسد الخاصة والعامة ، ولما فيها من الظلم والتجري على اللّه ، والاستطالة على عباد اللّه ، وتغيير دين اللّه وشرعه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡيَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (33)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ألوانا من المحرمات التي نهى عباده عن اقترافها فقال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ . . . } .

والمعنى : قل يا محمد لهؤلاء الذين ضيقوا على أنفسهم ما وسعه الله ، قل لهم : إن ما حرمه الله عليكم في كتبه وعلى ألسنة رسله هو هذه الأنواع الخمس التي أولها { الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } ، أى : ما كان قبيحاً من الأقوال والأفعال سواء أكان في السر أو العلن ، وثانيها وثالثها { الإثم والبغي بِغَيْرِ الحق } والإثم : هو الشىء القبيح الذي فعله يعتبر معصية ، والبغى : هو الظلم والتطاول على الناس وتجاوز الحد .

قال الإمام ابن كثير : " وحاصل ما فسر به الإثم أنه الخطايا المتعلقة بالفاعل نفسه ، والبغى هو التعدى على الناس ، فحرم الله هذا وهذا " .

وقيد البغى بكونه بغير الحق ، لأنه لا يكون إلا كذلك . إذ معناه في اللغة تجاوز الحد . يقال : بغى الجرح . إذ تجاوز الحد في فساده .

وقيل قيده بذلك ليخرج البغى على الغير في مقابلة بغيه ، فإنه يسمى بغيا في الجملة . لكنه بحق ، وهو قول ضعيف لأن دفع البغى لا يسمى بغيا . وإنما يسمى انتصافا من الظالم ، ولذا قال القرآن : { وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ فأولئك مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } وقيل إن القيد هنا لإخراج الأمور التي ليس لهم فيها حقوق ، أو التي تطيب أنفسهم فيها عن بعض حقوقهم فيبذلونها عن رضى وارتياح لمنفعة أو مصلحة لهم يرجونها ببذلها .

ورابع الأمور التي حرمها الله أخبر عنه القرآن بقوله : { وَأَن تُشْرِكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } .

أى : وحرم عليكم أن تجعلوا لله شركاى في عبادته بدون حجة وبرهان . وقوله : { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } بيان للواقع من شركهم ، إذ أنهم لا حجة عندهم على شركهم : لا من العقل ولا من النقل ، فالجملة الكريمة قد اشتملت على التهكم بالمشركين وتوبيخهم على كفرهم .

وخامسها قوله - تعالى - : { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أى : حرم عليكم أن تقولوا قولا يتعلق بالعبادات أو المحللات أو المحرمات أو غيرها بدون علم منكم بصحة ما تقولون ، وبغير بينة على صدق ما تدعون .

قال صاحب المنار : " ومن تأمل هذه الآية حق التأمل ، فإنه يتجنب أن يحرم على عباد الله شيئاً ويوجب عليهم شيئا في دينهم بغير نص صريح عن الله ورسوله ، بل يجتنب - أيضاً - أن يقول : هذا مندوب أو مكروه في الدين بغير دليل واضح من النصوص ، وما أكثر الغافلين عن هذا المتجرئين على التشريع " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡيَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (33)

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن شَقِيقٍ ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أحد أغير من الله ، فلذلك حَرَّم الفواحش ما ظَهَر منها وما بَطن ، ولا أحد أحب إليه المدح من الله " .

أخرجاه في الصحيحين ، من حديث سليمان بن مهْران الأعمش ، عن شقيق عن أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود{[11698]} وتقدم الكلام في سورة الأنعام على ما يتعلق بالفواحش ما ظهر منها وما بطن .

وقوله : { وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ } قال السُّدِّي : أما الإثم فالمعصية ، والبغي أن تبغي على الناس بغير الحق .

وقال مجاهد : الإثم المعاصي كلها ، وأخبر أن الباغي بغيه كائن على نفسه .

وحاصل ما فُسّر{[11699]} به الإثم أنه الخطايا المتعلقة بالفاعل نفسه ، والبغي هو التعدي إلى الناس ، فحرم الله هذا وهذا .

وقوله : { وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } أي : تجعلوا له شريكا في عبادته ، وأن تقولوا عليه{[11700]} من الافتراء والكذب من دعوى أن له ولدًا ونحو ذلك ، مما لا علم لكم به كما قال تعالى : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ [ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ] }{[11701]} الآية [ الحج : 30 ، 31 ] .


[11698]:المسند (1/381)، وصحيح البخاري برقم (4634)، وصحيح مسلم برقم (2760).
[11699]:في أ: "فسرا".
[11700]:في ك: "على الله".
[11701]:زيادة من ك، م، أ.