تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا} (15)

{ 15 } { مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا }

أي : هداية كل أحد وضلاله لنفسه لا يحمل أحد ذنب أحد ، ولا يدفع عنه مثقال ذرة من الشر ، والله تعالى أعدل العادلين لا يعذب أحدا حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة ثم يعاند الحجة .

وأما من انقاد للحجة أو لم تبلغه حجة الله تعالى فإن الله تعالى لا يعذبه .

واستدل بهذه الآية على أن أهل الفترات وأطفال المشركين ، لا يعذبهم الله حتى يبعث إليهم رسولا لأنه منزه عن الظلم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا} (15)

ثم ساق - سبحانه - قاعدة كلية ، لتحمل كل إنسان نتيجة عمله ، فقال - تعالى - : { مَّنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } .

والفعل { تزر } من الوزر بمعنى الإِثم والحمل والثقل . يقال : وزر يزر وزرا ، أى : أثم ، أو حمل حملا ثقيلا ، ومنه سمى الوزير ، لأنه يحمل أعباء تدبير شئون الدولة .

أى : من اهتدى إلى الطريق المستقيم ، وقدم فى حياته العمل الصالح فثمرة هدايته راجعة إلى نفسه ، ومن ضل عن الطريق القويم ، وفسق عن أمر ربه فوبال ضلاله راجع إليه وحده ، ولا تحمل نفس آثمة ، إثم نفس أخرى ، وإنما تسأل كل نفس عن آثامها فحسب .

وقد تكرر هذا المعنى فى كثير من آيات القرآن الكريم ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } وقوله - تعالى - : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى . . } ولا يتنافى هذا مع قوله - تعالى - : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ . . } وقوله - تعالى - : { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ . . } لأن المقصود فى هاتين الآيتين وأشباههما ، أن دعاة الكفر والفسوق والعصيان ، يحملون ذنوبهم يوم القيامة ، ويحملون فوق ذلك جانبا من ذنوب من كانوا هم سببا فى ضلالهم ، لأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ، ووزر من عمل بها - كما جاء فى الحديث الصحيح - فهم يحملون آثام أنفسهم ، والآثام التى كانوا سببا فى ارتكاب غيرهم لها .

كذلك لا يتنافى قوله - تعالى - : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } مع ما ثبت فى الحديث الصحيح عن ابن عمر رضى الله عنهما من " أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه . . " .

لأن العلماء حملوا الحديث على أن يكون الميت قد أوصى بذلك قبل موته ، أو أن يهمل نهيهم عن النوح عليه قبل موته ، مع أنه يعلم أنهم سينوحون عليه ويشقون الجيوب ، ويلطمون الخدود . . فتعذيبه بسبب تفريطه ، وعدم تنفيذه لقوله - تعالى - : { ياأيها الذين آمَنُواْ قوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا الناس والحجارة . . } وقوله - تعالى - : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً } بيان لمظهر من مظاهر رحمة الله - تعالى - بعباده - ورأفته بهم ، وكرمه معهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا} (15)

وبذلك الناموس الكوني الدقيق ترتبط قاعدة العمل والجزاء :

( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ) . .

فهي التبعة الفردية التي تربط كل إنسان بنفسه ؛ إن اهتدى فلها ، وإن ضل فعليها . وما من نفس تحمل وزر أخرى ، وما من أحد يخفف حمل أحد . إنما يسأل كل عن عمله ، ويجزي كل بعمله ولا يسأل حميم حميما . وقد شاءت رحمة الله ألا يأخذ الإنسان بالآيات الكونية المبثوثة في صفحات الوجود ، وألا يأخذه بعهد الفطرة الذي أخذه على بني آدم في ظهور آبائهم ، إنما يرسل إليهم الرسل منذرين ومذكرين : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) وهي رحمة من الله أن يعذر إلى العباد قبل أن يأخذهم بالعذاب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا} (15)

{ من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنما يضلّ عليها } لا ينجي اهتداؤه غيره ولا يردي ضلاله سواه . { ولا تزر وازرة وزر أخرى } ولا تحمل نفس حاملة وزرا وزر نفس أخرى ، بل إنما تحمل وزرها . { وما كنا معذّبين حتى نبعث رسولا } يبين الحجج ويمهد الشرائع فيلزمهم الحجة ، وفيه دليل على أن لا وجوب قبل الشرع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا} (15)

معنى هذه الآية أن كل أحد إنما يحاسب عن نفسه لا عن غيره ، وروي أن سببها أن الوليد بن المغيرة المخزومي قال لأهل مكة : اكفروا بمحمد وإثمكم علي ، فنزلت هذه الآية ، أي إن الوليد لا يحمل إثمكم وإنما إثم كل واحد عليه ، وقالت فرقة نزلت الإشارة في الهدى إلى أبي سلمة بن عبد الأسد{[7495]} ، والإشارة بالضلال إلى الوليد بن المغيرة ، و { وزر } معاه حمل ، والوزر الثقل{[7496]} ، ومنه وزير السلطان أي يحمل ثقل دولته ، وبهذه الآية نزعت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في الرد على من قال : إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه ، ونكتة ذلك المعنى إنما هي أن التعذيب إنما يعنّ إذا كان البكاء من سنة الميت ، وسببه كما كانت العرب تفعل{[7497]} وقوله { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً } قالت فرقة هي الجمهور : هذا في حكم الدنيا ، أي إن الله لا يهلك أمة بعذاب إلا من بعد الرسالة إليهم والإنذار ، وقالت فرقة : هذا عام في الدنيا والآخرة .

قال القاضي أبو محمد : وتلخيص هذا المعنى : أن مقصد الآية في هذا الموضع الإعلام بعادة الله مع الأمم في الدنيا ، وبهذا يقرب الوعيد من كفار مكة ، ويؤيد ما يجيء بعد من وصفه ما يكون عند إرادته إهلاك قرية ، ومن إعلامه بكثرة ما أهلك من القرون ومع هذا فالظاهر من كتاب الله في غير هذا الموضع ومن النظر أن الله تعالى لا يعذب في الآخرة إلا بعد بعثة الرسل ، كقوله تعالى : { كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى }{[7498]} [ الملك : 8-9 ] ، وظاهر { كلما } [ الملك : 8 ] الحصر ، وكقوله تعالى : { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير }{[7499]} [ فاطر : 24 ] ، وأما من جهة النظر فإن بعثة آدم عليه السلام بالتوحيد وبَثِ المعتقدات في نبيه مع نصب الأدلة الدالة على الصانع مع سلامة الفطر يوجب على كل أحد من العالم الإيمان واتباع شريعة الله ، ثم تجدد ذلك في مدة نوح عليه السلام بعد غرق الكفار ، وهذه الآية أيضاً يعطي احتمال ألفاظها نحو هذا ، ويجوز مع الفرض وجود قوم لم تصلهم رسالة وهم أهل الفترات الذين قد قدر وجودهم بعض أهل العلم ، وأما ما روي من أن الله تعالى يبعث إليهم يوم القيامة وإلى المجانين والأطفال فحديث لم يصح ولا يقتضيه ما تعطيه الشريعة من أن الآخرة ليس دار تكليف ،


[7495]:هو أبو سلمة بن عبد الأسد، بن هلال، بن عبد الله، بن عمر، بن مخزوم، المخزومي، أحد السابقين إلى الإسلام، اسمه عبد الله، وأمه برة بنت عبد المطلب بن هاشم، كان ممن هاجر بامرأته أم سلمة بن أبي أمية إلى الحبشة، ثم شهد بدرا بعد أن هاجر الهجرتين، ومات من جرح جرحه يوم أحد، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأته أم سلمة رضي الله عنهما (الإصابة والاستيعاب).
[7496]:في بعض النسخ: و "وزر" معناها: حمل الوزر، أي: الثقل.
[7497]:الذي قال: إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه هو ابن عمر رضي الله عنهما. قال العلماء: ولا وجه لإنكار السيدة عائشة رضي الله عنها؛ فإن الرواة لهذا المعنى كثير، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وابنه ، والمغيرة بن شعبة، وقيلة بنت مخرمة، وهم جازمون بالرواية فلا وجه لتخطئتهم، ولأنه لا معارضة بين الآية والحديث، فإن الحديث محمول على ما إذا كان البكاء من وصية الموت وسنته كما كانت العرب تفعل، وقد ذكر ابن عطية هذا، ومنه قول طرفة: إذا مت فانعيني بما أنا أهلــــه وشقي علي الجيب يا بنت معبد وقول غيره موصيا بأن يمتد البكاء عليه حولا كاملا: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر وقد نحا إلى هذا الرأي الإمام البخاري.
[7498]:من الآيتين (8، 9) من سورة (الملك).
[7499]:من الآية (24) من سورة (فاطر).