التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا} (15)

قوله تعالى : { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ول تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعت رسولا ( 15 ) } من استقام على طريق الهداية والتزم أوامر الله ولم يخالف شرعه ودينه فلا يجازى باستقامته وهدايته غير نفسه أما من زاغ عن سبيل الحق وضل عن منهج الله وقصد غيره من مناهج الضلال والكفر فكذب بنبوة محمد ( ص ) ، أو ارتاب في شيء من شريعة الإسلام ( فإنما يضل عليها ) أي لا يضر بضلاله وفسقه وزيغه عن الحق غير نفسه .

وجملة القول في ذلك : أنه ما من أحد إلا يحاسب عن نفسه لا عن غيره . فالمهتدي يجزيه الله ثواب اهتدائه ، والضال صائر وحده إلى العقاب جزاء ضلاله وفسقه عن أمر الله .

قوله : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) الوزر معناه الإثم والثقل ؛ أي لا تحمل حاملة حمل أخرى{[2651]} . قال الرازي في تأويل هذه الآية : إن المذنب لا يؤاخذ بذنب غيره . وأيضا غيره لا يؤاخذ بذنبه بل كل أحد مختص بذنب نفسه .

قال القرطبي في ذلك : الهاء في قوله : ( وازرة ) كناية عن النفس ؛ : أي لا تؤخذ نفس آثمة بإثم أخرى حتى أن الوالدة تلقى ولدها يوم القيامة فتقول : يا بني ! ألم يكن حجري لك وطاءً ؟ ألم يكن ثديي لك سقاء ؟ ألم يكن بطني لك وعاء ؟ ! فيقول : بلى يا أمهْ ! فتقول : يا بني ، فإن ذنوبي أثقلتني فاحمل عني منها ذنبا واحدا ! فيقول : إليك عني يا أمّهْ ! فإني بذنبي عنك اليوم مشغول !

ويستفاد من هذه الآية بعض الأحكام منها : أن الميت لا يعذب ببكاء أهله وهو قول السيدة عائشة ( رضي الله عنها ) وقال به آخرون من أهل العلم . ودليلهم قوله سبحانه : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) أي لا تحمل نفس ذنب نفس أخرى .

وذهب إلى خلاف ذلك ابن عمر وهو تعذيب الميت ببكاء أهله . واستند في ذلك إلى الخير : " إن الميت ليعذب ببكاء أهله " والصواب أنه لا معارضة بين الآية والحديث ؛ فإن الحديث محملة على ما إذا كان البكاء والنوح من وصية الميت كما كان في الجاهلية . أما إذا لم يوص بشيء من ذلك فلا إثم عليه من بكائهم عليه .

ومنها : الأطفال يموتون صغارا ، فإن كان آباؤهم مسلمين ؛ فإنه لا خلاف في أنهم في الجنة . أما إن كان آباؤهم كفارا ففي شأنهم خلاف بين العلماء . وفي ذلك أقوال ثلاثة .

القول الأول : إنهم في الجنة . ودليل ما رواه أحمد عن خنساء عن عمها أن رسول الله ( ص ) قال : " والمولود في الجنة " .

وكذلك ما رواه البخاري عن سمرة بن جندب أن النبي ( ص ) قال في جملة ذلك المقام حين مرّ على ذلك الشيخ تحت الشجرة وحوله ولدان فقال له جبريل : هذا إبراهيم عليه السلام ، وهؤلاء أولاد المسلمين وأولاد المشركين . قالوا : يا رسول الله : وأولاد المشركين ؟ قال : " نعم وأولاد المشركين " .

القول الثاني : إنهم مع آبائهم في النار . ودليل ذلك ما رواه الإمام أحمد بن حنبل بسنده عن عبد الله بن أبي قيس أنه سأل السيدة عائشة ( رضي الله عنها ) عن ذراري الكفار فقال : قال رسول الله ( ص ) : " هم تبع لآبائهم " فقلت : يا رسول الله : بلا أعمال ؟ فقال : " الله أعلم بما كانوا عاملين " .

القول الثالث : التوقف في ذلك ، استنادا إلى قوله ( ص ) : " الله أعلم بما كانوا عاملين " وهو في الصحيحين عن ابن عباس .

وقيل : إنهم من أصحاب الأعراف وهذا القول مندرج في كونهم من أهل الجنة ؛ لأن أصحاب الأعراف صائرون إلى الجنة .

قوله : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) ذلك من عدل الله المطلق ورحمته الواسعة بعباده ؛ فإنه لا يعذب أحدا إلا بعد أن يقيم عليه الحجة بإرسال الرسول فيبلغه دعوة الله . وهذه المسألة كانت موضع تفصيل وخلاف بين العلماء وهي المسماة بأهل الفترة ، وهذه المسألة كانت موضع تفصيل وخلاف بين العلماء وهي المسماة بأهل الفترة ، وهي المدة تقع بين زمنين أو نبيين{[2652]} فالذين ماتوا في هذه المدة ولم تبلغهم دعوة رسول لا يسألون ولا يؤاخذون في الدنيا ولا في الآخرة . وهو قول طائفة من العلماء . ويعزز هذا القول ، قوله سبحانه : ( كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير ) وبمثل ذلك تقول المعتزلة . وهم يذهبون إلى أن الفعل يقبّح ويحسّن ويبيح ويحر . وقيل : إن هذا في حكم الدنيا ، وهو أن الله لا يعاقب أمه بعذاب إلا بعد الإعذار إليهم بالرسل وإقامة الحجة عليهم بالدلائل والبينات وهو قول الجمهور . أما في الآخرة : فإن الله ممتحنهم بسؤاله لهم أن يدخلوا النار ، فإن أطاعوه ودخلوا نجوا ، وإن عصوه ؛ كان جزاؤهم النار ، فكانت لهم مع الكافرين القرار . وفي هذا أخرج الإمام أحمد عن الأسود بن سريع أن رسول الله ( ص ) قال : " أربعة يحتجون يوم القيامة : رجل أصم لا يسمع شيئا ، ورجل أحمق ، ورجل هرم ، ورجل مات في فترة ؛ فأما الأصم فيقول : رب قد جاء الإسلام وما أسمع شيئا ، وأما الأحمق فيقول : رب قد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر ، وأما الهرم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا ، وأما الذي مات في الفترة فيقول : رب ما أتاني لك رسول ؛ فيأخذ مواثيقهم ليطيعنّه ، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار ، فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما " وفي رواية : " فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ، ومن لم يدخلها يسحب إليها " {[2653]}


[2651]:- مختار الصحاح ص 718.
[2652]:- تفسير ابن كثير جـ3 ص 28- 32 وتفسير القرطبي جـ10 ص 231 وتفسير الرازي جـ20 ص 173.
[2653]:- تفسير ابن كثير جـ3 ص 28-32 وتفسير القرطبي جـ10 ص 231 وتفسير الرازي جـ20 ص 173.