الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا} (15)

أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة : المعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام ، ثم أرسل إليهم رسولاً أن ادخلوا النار ، فيقولون كيف ؟ ولم تأتنا رسل ! قال : وايم الله ، لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً ، ثم يرسل إليهم ، فيطيعه من كان يريد أن يطيعه . قال أبو هريرة رضي الله عنه : اقرأوا إن شئتم { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً } .

وأخرج إسحق بن راهويه وأحمد وابن حبان وأبو نعيم في المعرفة والطبراني وابن مردويه والبيهقي في كتاب الاعتقاد ، عن الأسود بن سريع - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم : «أربعة يحتجون يوم القيامة : رجل أصم لا يسمع شيئاً ، ورجل أحمق ، ورجل هرم ، ورجل مات في الفطرة ، فأما الأصم ، فيقول : رب ، لقد جاء الإسلام ، وما أسمع شيئاً ، وأما الأحمق ، فيقول : رب ، جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر ، وأما الهرم فيقول : رب ، لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً ، وأما الذي مات في الفطرة فيقول : رب ، ما آتاني لك رسول . فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه ، ويرسل إليهم رسولاً أن ادخلوا النار . قال : فوالذي نفس محمد بيده ، لو دخلوها كانت عليهم برداً وسلاماً ، ومن لم يدخلها سحب إليها » .

وأخرج ابن راهويه وأحمد وابن مردويه والبيهقي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه مثله ، غير أنه قال في آخره : فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً ، ومن لم يدخلها سحب إليها .

وأخرج قاسم بن أصبغ والبزار وأبو يعلى وابن عبد البر في التمهيد ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يؤتى يوم القيامة بأربعة : بالمولود والمعتوه ومن مات في الفترة والشيخ الهرم الفاني ، كلهم يتكلم بحجته ، فيقول الرب تبارك وتعالى : لعنق من جهنم أبرزي ، ويقول لهم : إني كنت أبعث إلى عبادي رسلاً من أنفسهم ، وإني رسول نفسي إليكم . فيقول لهم : ادخلوا هذه ، فيقول : من كتب عليه الشقاء يا رب ؟ أندخلها ومنها كنا نفر ؟ ! قال : وأما من كتب له السعادة فيمضي فيها ، فيقول الرب : قد عاينتموني فعصيتموني ، فأنتم لرسلي أشد تكذيباً ومعصية ، فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار » .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والطبراني وأبو نعيم ، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلاً ، وبالهالك في الفترة ، وبالهالك صغيراً ، فيقول الممسوخ عقلاً : يا رب ، لو آتيتني عقلاً ما كان من آتيته عقلاً بأسعد بعقله مني ، ويقول الهالك في الفترة رب لو أتاني منك عهد ما كان من أتاه منك عهد بأسعد بعهدك مني ، ويقول الهالك صغيراً : يا رب ، لو آتيتني عمراً ما كان من أتيته عمراً بأسعد بعمره مني ، فيقول الرب : - تبارك وتعالى - فإني آمركم بأمر أفتطيعوني ؟ فيقولون : نعم وعزتك ، فيقول لهم : اذهبوا فادخلوا جهنم ، ولو دخلوها ما ضرتهم شيئاً ، فخرج عليهم قوابص من نار يظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء ، فيرجعون سراعاً ويقولون : يا ربنا ، خرجنا وعزتك نريد دخولها ، فخرجت علينا قوابص من نار ، ظننا أن قد أهلكت ما خلق الله من شيء ، ثم يأمرهم ثانية ، فيرجعون كذلك ويقولون : كذلك ، فيقول الرب : خلقتكم على علمي ، وإلى علمي تصيرون ، ضميهم ، فتأخذهم النار » .

وأخرج ابن أبي شيبة ، عن أبي صالح رضي الله عنه قال : يحاسب يوم القيامة الذين أرسل إليهم الرسل ، فيدخل الله الجنة من أطاعه ، ويدخل النار من عصاه ، ويبقى قوم من الولدان والذين هلكوا في الفترة ، فيقول : وإني آمركم أن تدخلوه هذه النار ، فيخرج لهم عنق منها ، فمن دخلها كانت نجاته ، ومن نكص فلم يدخلها كانت هلكته .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه : «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه رجل فسأله عن ذراري المشركين الذين هلكوا صغاراً ؟ فوضع رأسه ساعة ثم قال : أين السائل ؟ فقال : ها أنا يا رسول الله ، فقال : «إن الله تبارك وتعالى إذا قضى بين أهل الجنة والنار لم يبق غيرهم عجّوا ، فقالوا : اللهم ربنا ، لم تأتنا رسلك ولم نعلم شيئاً ، فأرسل إليهم ملكاً ، والله أعلم بما كانوا عاملين ، فقال : إني رسول ربكم إليكم ، فانطلقوا فاتبعوا حتى أتوا النار ، فقال : إن الله يأمركم أن تقتحموا فيها ، فاقتحمت طائفة منهم ، ثم أخرجوا من حيث لا يشعر أصحابهم ، فجعلوا في السابقين المقربين ، ثم جاءهم الرسول فقال : إن الله يأمركم أن تقتحموا في النار ، فاقتحمت طائفة أخرى ، ثم خرجوا من حيث لا يشعرون ، فجعلوا في أصحاب اليمين ، ثم جاء الرسول فقال : إن الله يأمركم أن تقتحموا في النار ، فقالوا : ربنا ، لا طاقة لنا بعذابك ، فأمر بهم ، فجمعت نواصيهم وأقدامهم ثم ألقوا في النار والله أعلم » .