فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا} (15)

{ مَنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ } بين سبحانه أن ثواب العمل الصالح وعقاب ضدّه يختصان بفاعلهما لا يتعدان منه إلى غيره ، فمن اهتدى بفعل ما أمره الله به وترك ما نهاه الله عنه ، فإنما تعود منفعة ذلك إلى نفسه ، { وَمَن ضَلَّ } عن طريق الحق فلم يفعل ما أمر به ، ولم يترك ما نهي عنه { فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } أي : فإن وبال ضلاله واقع على نفسه لا يجاوزها ، فكل أحد محاسب عن نفسه ، مجزيّ بطاعته معاقب بمعصيته ، ثم أكد هذا الكلام بأبلغ تأكيد فقال : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } والوزر الإثم ، يقال : وزر : يزر وزراً ووزرة ، أي : إثما ، والجمع أوزار ، والوزر : الثقل . ومنه { يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ } [ الأنعام : 31 ] أي : أثقال ذنوبهم . ومعنى الآية : لا تحمل نفس حاملة للوزر وزر نفس أخرى حتى تخلص الأخرى عن وزرها وتؤخذ به الأولى ، وقد تقدّم مثل هذا في الأنعام . قال الزجاج في تفسير هذه الآية : إن الآثم والمذنب لا يؤاخذ بذنب غيره . { وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً } لما ذكر سبحانه اختصاص المهتدي بهدايته ، والضالّ بضلاله ، وعدم مؤاخذة الإنسان بجناية غيره ، ذكر أنه لا يعذب عباده إلاّ بعد الإعذار إليهم بإرسال رسله ، وإنزال كتبه ، فبين سبحانه أنه لم يتركهم سدًى ، ولا يؤاخذهم قبل إقامة الحجة عليهم ، والظاهر أنه لا يعذبهم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلاّ بعد الإعذار إليهم بإرسال الرسل ، وبه قالت طائفة من أهل العلم . وذهب الجمهور إلى أن المنفي هنا هو عذاب الدنيا لا عذاب الآخرة .

/خ17