{ 96 - 97 } { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ }
هذا تحذير من الله للناس ، أن يقيموا على الكفر والمعاصي ، وأنه قد قرب انفتاح يأجوج ومأجوج ، وهما قبيلتان عظيمتان من بني آدم ، وقد سد عليهم ذو القرنين ، لما شكي إليه إفسادهم في الأرض ، وفي آخر الزمان ، ينفتح السد عنهم ، فيخرجون إلى الناس في هذه الحالة والوصف ، الذي ذكره الله من كل من مكان مرتفع ، وهو الحدب ينسلون أي : يسرعون . وفي هذا دلالة على كثرتهم الباهرة ، وإسراعهم في الأرض ، إما بذواتهم ، وإما بما خلق الله لهم من الأسباب التي تقرب لهم البعيد ، وتسهل عليهم الصعب ، وأنهم يقهرون الناس ، ويعلون عليهم في الدنيا ، وأنه لا يد لأحد بقتالهم .
ويأجوج ومأجوج اسمان أعجميان لقبيلتين من الناس ، قيل : مأخوذان من الأوجة وهى الاختلاط أو شدة الحر ، وقيل من الأوج وهو سرعى الجرى .
والمراد بفتحهما : فتح السد الذى على هاتين القبيلتين ، والذى يحول بينهم وبين الاختلاط بغيرهم من بقية الناس .
{ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } والحدب : المترفع من الأرض كالجبل ونحوه .
و { يَنسِلُونَ } من النسل - بإسكان السين - وهو مقاربة الخطو مع الإسراع فى السير ، يقال : نسل الرجل فى مشيته إذا أسرع ، وفعله من باب قعد وضرب .
أى : وهم - أى يأجوج ومأجوج من كل مرتفع من الأرض يسرعون السير إلى المحشر ، أو إلى الأماكن التى يوجههم الله - تعالى - إليها ، و قيل إن الضمير " هم " يعود إلى الناس المسوقين إلى أرض المحشر ، أو إلى الأماكن التى يوجههم الله - تعالى - إليها ، وقيل إن الضمير " هم " يعود إلى الناس المسوقين إلى أرض المحشر .
ثم يعرض مشهدا من مشاهد القيامة يبدؤه بالعلامة التي تدل على قرب الموعد . وهو فتح يأجوج ومأجوج : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، واقترب الوعد الحق ، فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا . يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا ، بل كنا ظالمين . إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون . لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ، وكل فيها خالدون . لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون . إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ، لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ، لا يحزنهم الفزع الأكبر ، وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون . يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ، كما بدأنا أول خلق نعيده ، وعدا علينا إنا كنا فاعلين . .
{ حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج } متعلق ب { حرام } أو بمحذوف دل الكلام عليه ، أو ب { لا يرجعون } أي يستمر الامتناع أو الهلاك أو عدم الرجوع إلى قيام الساعة وظهور أماراتها : وهو فتح سد يأجوج ومأجوج وهي حتى التي يحكى الكلام بعدها ، والمحكي هي الجملة الشرطية . وقرأ ابن عامر ويعقوب " فتحت " بالتشديد . { وهم } يعني يأجوج ومأجوج أو الناس كلهم . { من كل حدب } نشز من الأرض ، وقرئ جدث وهو القبر { ينسلون } يسرعون من نسلان الذئب وقرئ بضم السين .
تحتمل { حتى } في هذه الآية أن تكون متعلقة بقوله { وتقطعوا } [ الأنبياء : 93 ] وتحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تعلق ب { يرجعون } [ الأنبياء : 95 ] وتحتمل أن تكون حرف ابتداء وهو الأظهر بسبب { إذا } لأنها تقتضي جواباً وهو المقصود ذكره ، واختلف هنا الجواب ، فقالت فرقة الجواب قوله { اقترب الوعد } والواو زائدة ، وقالت فرقة منها الزجاج وغيره الجواب في قوله { يا ويلنا } التقدير قالوا { يا ويلنا } وليست الواو بزائدة ، والذي أقول إن الجواب في قوله { فإذا هي شاخصة } وهذا هو المعنى الذي قصد ذكره لأَنه رجوعهم الذي كانوا يكذبون به وحرم عليهم امتناعه ، وقرأ الجمهور «فَتحت » بتخفيف التاء ، وقرأ ابن عامر وحده «فتّحت » بتثقيلها ، وروي أن { يأجوج ومأجوج } يشرفون في كل يوم على الفتح فيقولون غداً نفتح ولا يردون المشيئة إلى الله تعالى فإذا كان غداً وجدوا الردم كأوله حتى إذا أذن الله تعالى في فتحه قال قائلهم غداً نفتحه إن شاء الله فيجدونه كما تركوه قريب الانفتاح فيفتحونه حينئذ ، وقرأ عاصم وحده «يأجوج ومأجوج » بالهمز ، وقرأ الجمهور بالتسهيل ، وقد تقدم في سورة الكهف توجيه ذلك وكثير من حال { يأجوج وماجوج } فغنينا ها هنا من إعادة ذلك . و «الحدب » كل متسنم من الأرض كالجبل والظرب والكدية والقبر ونحوه . وقالت فرقة المراد بقوله ، { وهم } { يأجوج ومأجوج } لأنهم يطلعون من كل ثنية ومرتفع ويعمون الأرض وذلك أنهم من الكثرة بحيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، «يقول الله تعالى يوم القيامة لآدم أخرج بعث النار من ذريتك فيخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين » قال{[8276]} ففزع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، «إن منكم رجلاً ومن يأجوج ومأجوج ألف رجل »{[8277]} ويروى أن الرجل منهم لا يموت حتى يولد له ألف بين رجل وامرأة وقالت فرقة المراد بقوله { وهم } جميع العالم وإنما هو تعريف بالبعث من القبور وقرأ ابن مسعود «من كل جدث » وهذه القراءة تؤيد هذا التأويل ، و { ينسلون } معناه يسرعون في تطامن{[8278]} ومنه قول الشاعر : [ الرمل ]
عسلان الذئب أمسى قارباً . . . برد الليل عليه فنسل{[8279]}
وقرأت فرقة بكسر السين ، وقرأت بضمها ، وأسند الطبري عن أبي سعيد قال يخرج يأجوج ومأجوج فلا يتركون أحداً إلا قتلوه إلا أهل الحصون فيمرون على بحيرة طبرية فيمر آخرهم فيقول كان هنا مرة ما ، قال فيبعث الله عليهم النغف حتى تكسر أعناقهم فيقول أهل الحصون لقد هلك أعداء الله فيدلون رجلاً ينظر فيجدهم قد هلكوا قال فينزل الله تعالى من السماء فيقذف بهم في البحر فيطهر الأرض منهم{[8280]} ، وفي حديث حذيفة نحو هذا وفي آخره قال وعند ذلك طلوع الشمس من مغربها{[8281]} ، وروي أن ابن عباس رأى صبياناً يلعبون وينزوا بعضهم على بعض فقال هكذا خروج يأجوج ومأجوج .