تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُۖ وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم} (38)

والدليل على أن الله لو طلب منكم أموالكم وأحفاكم بسؤالها ، أنكم تمتنعون منها ، أنكم { تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } على هذا الوجه ، الذي فيه مصلحتكم الدينية والدنيوية .

{ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ } أي : فكيف لو سألكم ، وطلب منكم أموالكم في غير أمر ترونه مصلحة عاجلة ؟ أليس من باب أولى وأحرى امتناعكم من ذلك .

ثم قال : { وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ } لأنه حرم نفسه ثواب الله تعالى ، وفاته خير كثير ، ولن يضر الله بترك الإنفاق شيئا .

فإن الله هو { الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ } تحتاجون إليه في جميع أوقاتكم ، لجميع أموركم .

{ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا } عن الإيمان بالله ، وامتثال ما يأمركم به { يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } في التولي ، بل يطيعون الله ورسوله ، ويحبون الله ورسوله ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }

تم تفسير سورة القتال ، والحمد لله رب العالمين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُۖ وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم} (38)

ثم تختتم السورة الكريمة بالدعوة إلى الإِنفاق فى سبيل الله فقال : { هَا أَنتُمْ هؤلاء } - أيها المؤمنون - { تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله } أى : فى وجوه الخير التى على رأسها الجهاد فى سبيل إعلاء كلمة الله ، ونصرة دينه .

{ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ } أى : فمنكم - أيها المخاطبون - من يبخل بماله عن الإِنفاق فى وجوه الخير { وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ } أى : ومن يبخل فإنما يبخل عن داعى نفسه لا عن داعى ربه ، أو فإنما يبخل على نفسه . يقال : بخل عليه وعنه - كفرح وكرم - بمعنى ، لأن البخل فيه معنى المنع والإِمساك ومعنى التضييق على مُنِع عنه المعروف ، فعدى بلفظ { عَن } نظرا للمعنى الأول ، ولفظ { على } نظرا للمعنى الثانى :

{ والله } - تعالى - هو { الغني وَأَنتُمُ الفقرآء } إليه ، لاحتياجكم إلى عونه احتياجا تاما ، { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ } أى : وإن تعرضوا عن هذا الإِرشاد الحكيم .

{ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } أى : يخلق بدلكم قوما آخرين .

{ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم } أى : ثم لا يكونوا أمثالكم فى الإِعراض عن الخير ، وفى البخل بما آتاهم الله من فضله .

والمتأمل فى هذه الآية يراها قد اشتملت على أسمى ألوان الدعوة إلى الإِيمان والسخاء ، والنهى عن الجحود والبخل .

وبعد فهذا تفسير وسيط لسورة محمد - صلى الله عليه وسلم - نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .