بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبٗا} (14)

وقوله : { اقرأ كتابك كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيبًا } أي : شاهداً . ويقال : محاسباً . لما ترى فيه كل حسنة ، وسيئة محصاة عليك . قال ابن عباس : فإن كان مؤمناً ، أعطي كتابه بيمينه وهي صحيفة يقرأ سيئاته في باطنها ، وحسناته في ظاهرها . فيجد فيها : عملت كذا وكذا وصنعت كذا وكذا ، وقلت كذا وكذا ، في سنة كذا وكذا ، في شهر كذا وكذا ، وفي يوم كذا وكذا ، وفي ساعة كذا وكذا ، وفي مكان كذا وكذا . فإذا انتهى إلى أسفلها ، قيل له : قد غفرها الله لك . اقرأ ما في ظهرها فيقرأ حسناته ، فيسره ما يرى فيها ، ويشرق لونه ، عند ذلك يقول : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقرؤا كتابيه } [ الحاقة : 19 ] . قال : ويعطى الكافر بشماله ، ويقرأ حسناته في باطنها ، وسيئاته في ظاهرها . فإذا انتهى إلى آخره ، قيل له : هذه حسناتك قد ردت عليك . اقرأ ما في ظهرها . فيرى فيها سيئاته ، قد حفظت عليه كل صغيرة وكبيرة فيسوءه ذلك ، ويسود وجهه ، وتزرق عيناه ، ويقول عند ذلك : { وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ ياليتنى لَمْ أُوتَ كتابيه } [ الحاقة : 25 ] وهو قوله : { كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيبًا } أي : حفيظاً . وقال مقاتل : وذلك حين جحد ، فختم على لسانه ، وتكلمت جوارحه . فشهدت جوارحه على نفسه ، وذلك قوله : { كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيبًا } أي : شهيداً . فلا شاهد عليك أفضل من نفسك .