بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (1)

قال ابن عباس في قوله تعالى : { سُبْحَانَ } يقول : عجبٌ من أمر الله { الذي أسرى بعبده } . ويقال : تنزيه لله تعالى . وروى موسى بن طلحة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبحان . فقال : «نَزَّهَ الله نَفْسَهُ عَنِ السُّوءِ » . وروي عن عليّ بن أبي طالب ، أن ابن أبي الْكَوَّاءَ سأله عن سبحان ، فقال عليّ : كلمة الله لنفسه . ويقال : معناه سبحوا الله { سُبْحَانَ الذى أسرى بِعَبْدِهِ } أي : أدلج برسوله صلى الله عليه وسلم { لَيْلاً } أي : في ليلة . ويقال : { أسرى } يعني : سار بعبده ليلاً { مّنَ المسجد الحرام } أي : مكة . وقال ابن عباس : من بيت أم هانىء { إلى المسجد الأقصى } يعني : إلى بيت المقدس . قال الفقيه : أخبرني الثقة بإسناده عن أبي سعيد الخدري . قال : حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن الليلة التي أسرى به فيها ، فقال : " أوتِيتُ بِدَابَّةٍ هِيَ أَشْبَهُ الدَّوَابِّ بِالبَغْلِ وَهُوَ البُرَاقُ ، وَهُوَ الَّذِي كَان يَرْكَبُهُ الأَنْبِيَاءِ " . قال : " فَانْطَلَقَ بِي يَضَعُ يَدَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى بَصَرِهِ ، فَسَمِعْتُ نِداءً عَنْ يَمِيني : يا مُحَمَّدُ عَلَى رِسْلِكَ . فَمَضَيْتُ وَلَمَّا أعَرِّجْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ سَمِعْتُ نِداءً عَنْ شِمَالِي فَمَضَيْتُ . ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْنِي امْرَأَةٌ عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينةٍ ، فَمَدَّتْ يدَيْهَا ، وَقَالَتْ : عَلَى رِسْلِكَ فَمَضَيْتُ . وَلَمْ أَلْتَفِتْ إلَيْهَا . ثُمَّ أَتَيْتُ البَيْتَ المَقْدِسَ . أوْ قَالَ المَسْجِدَ فَنَزَلْتُ وَأَوْثَقْتَهُ بِالحَلقَةِ الَّتِي كَانَتِ الأنْبِياءُ يُوثِقُونَ بِهَا ، ثُمَّ دَخَلْتُ ، المَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ ، فَقُلْتُ : يا جِبْرِيلُ سَمِعْتُ نِداءً عَنْ يَمينِي ، فَقَالَ : ذاكَ داعِي اليَهُودِيَّةِ ، أما إنَّكَ لَوْ وَقَفْتَ عَلَيْهِ لَتَهَوَّدَتْ أُمَّتُكَ . فَقُلْتُ : وَسَمِعْتُ نِداءً عَنْ شِمَالِي . قالَ : كانَ ذلك دَاعِيَ النَّصَارَى ، أمَا إنَّكَ لَوْ وَقَفْتَ عَلَيْهِ لَتَنَصَّرَتْ أُمَّتُكَ وَأمَّا المَرْأَةُ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزَيَّنَتْ لَكَ . أمَا إنَّكَ لَوْ وَقَفْتَ عَلَيْهَا لاخْتَارَتْ أمَّتُكَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ . قالَ : ثُمَّ أوتِيتَ بِإنَاءَيْنِ أَحَدُهُمَا فِيهِ لَبَنٌ ، وَالآخَرُ فِيهِ خَمْرٌ . فَقَالَ لِي : اشْرَبْ أيَّهُمَا شِئْتَ فأَخَذْتُ اللَّبَنَ وَشَربْتُ . فَقَالَ أَصَبْتَ الفِطْرَةَ ، أَيْ أُعْطِيَتْ أُمَّتُكَ الإسْلاَم . أَمَا إنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الخَمْرَةَ لَغَوَتْ أمَّتُكَ . ثُمَّ جِيءَ بِالمِعْرَاجِ الْذِي تَعْرُجُ فِيهِ أرْوَاحُ بَنِي آدَمَ . فَإذا هُوَ أَحْسَنُ ما رَأَيْتُ فَعُرِجَ بِنَا فيهِ " . وذكر قصة طويلة فنزل { سُبْحَانَ الذى أسرى بِعَبْدِهِ } يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم من أول الليل من المسجد الحرام . يقول : من الحرم من بيت أم هانىء بنت أبي طالب ، إلى المَسْجِدِ الأَقْصَى أي : الأبعد . يعني : إلى مسجد إيلياء وهو بيت المقدس { الذى بَارَكْنَا حَوْلَهُ } بالماء ، والأشجار ، وهو المدائن التي حوله مثل دمشق ، والأردن ، وفلسطين . { لِنُرِيَهُ مِنْ ءاياتنا } أي : لكي نريه من آياتنا . أراه الله تعالى في تلك الليلة من عجائب السموات والأرض .

{ إِنَّهُ هُوَ السميع } لمقالة أهل مكة وإنكارهم { البصير } أي : العليم بهم . وذلك أنه لما أخبرهم عن قصة تلك الليلة ، أنكروا . وروى الزهري عن عروة قال : إنه لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى ، فأخبر الناس بذلك ، فارتد ناس كثير ممن كان صدقه ، وفتنوا بذلك ، وكذبوا به ، وسعى رجال من المشركين إلى أبي بكر ، فقالوا له : هذا صاحبك يزعم أنه قد أُسري به الليلة إلى بيت المقدس ، ثم رجع من ليلته . فقال أبو بكر : أو قال ذلك ؟ قالوا : نعم . قال : فإني أشهد إن كان قال ذلك أنه قد صدق . فقالوا : أتصدقه بأنه جاء إلى الشام في ليلة واحدة : ورجع قبل أن يصبح . فقال أبو بكر : نعم . إني أصدقه في أبعد من ذلك . أصدقه بخبر السماء غدوة وعشية . فبذلك سمي أبا بكر الصديق . قال الزهري : أخبرني أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم فرضت عليه الصلاة ليلة أسري به خمسين ، ثم نقصت إلى خمس ، ثم نودي يا محمد ما يبدل القول لدي ، وإن لك بالخمس خمسين .