بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ} (60)

ثم رجع إلى قصة موسى حين كانوا في التيه وأصابهم العطش فاستغاثوا بموسى ، فدعا موسى ربه ، فأوحى الله إلى موسى أن يضرب بعصاه الحجر ، فَأخذ موسى حجراً مربعاً مثل رأس الإنسان ، ووضعه في المخلاة بين يدي قومه ، ضَرَبَ عَصَاهُ عَلَيْهِ ، فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثنتا عشرة عيناً ماءً عذباً ؛ وكانت بنو إسرائيل اثني عشر سبطاً لكل سبط منهم عين على حدة . قال الفقيه : حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن مندوسة قال : حدثنا أبو القاسم ، أحمد بن حمزة الصفار قال : حدثنا عيسى بن أحمد قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي قال : تاه بنو إسرائيل في اثني عشر فرسخاً أربعين عاماً على غير ماء ، وجعل لهم حجراً مثل رأس الثور ، فإذا نزلوا منزلاً وضعوه فضربه موسى بعصاه .

فذلك قوله تعالى : { وَإِذِ استسقى موسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضرب بّعَصَاكَ الحجر فانفجرت مِنْهُ اثنتا عَشْرَةَ عَيْنًا } فإذا ساروا حملوه فاستمسك .

وقال بعضهم : كان يخرج عيناً واحدة ثم تتفرق على اثنتي عشرة فرقة ، وتصير اثني عشر نهراً . وقال بعضهم : كان للحجر اثنا عشر ثقباً ، يخرج منها اثنتا عشرة عيناً لا يختلط بعضها ببعض . قال مقاتل : كان الحجر مربَّعاً ، وكان جبريل عليه السلام أمر موسى بحمله معه يوم جاوز البحر ببني إسرائيل ، وإنما انفجرت اثنتا عشرة عيناً ، لأنه أخذ من مكان فيه اثنا عشر طريقاً .

ثم قال تعالى : { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } ، أي قد عرف كل سبط مشربهم ، أي موردهم وموضع شربهم من العيون لا يخالطهم فيها غيرهم . والحكمة في ذلك أن الأسباط كانت بينهم عصبية ومباهاة ، وكل سبط منهم لا يتزوج من سبط آخر ، وأراد كل سبط تكثير نفسه ، فجعل لكل سبط منهم نهراً على حدة ليستقوا منها ، ويسقوا دوابهم لكيلا يقع بينهم جدال ومخاصمة . وقال بعضهم : كان الحجر من الجنة . وقال بعضهم : رفعه موسى من أسفل البحر حيث مرّ فيه مع قومه . وقال بعضهم : كان حجراً من أحجار الأرض .

قوله عز وجل : { كُلُواْ واشربوا مِن رّزْقِ الله } أي قيل لهم كلوا من المن والسلوى ، واشربوا من ماء العيون ، { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ } ، أي لا تعملوا فيها بالمعاصي ، يقال : عثا يعثو عثواً ، إذا أظهر الفساد وعَثِي ، وعاث لغتان الذئب في الغنم أي أسرع بالفساد ثم أنهم أجمعوا من المن والسلوى .