بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تَذۡبَحُواْ بَقَرَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوٗاۖ قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (67)

قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } ، قال ابن عباس : وذلك أن بني إسرائيل قيل لهم في التوراة : أيما قتيل وجد بين قريتين لا يدرى قاتله ، فليقس إلى أيتهما أقرب ، فعمد رجلان أخوان من بني إسرائيل إلى ابن عم لهما واسمه عاميل ، فقتلاه لكي يرثاه ؛ وكانت ابنة عم لهما شابة جميلة حسناء ، فخشيا أن ينكحها ابن عمها عاميل ، ثم حملاه إلى جانب قرية ، فأصبح أهل القرية والقتيل بين أظهرهم ، فأخذ أهل القرية بالقتيل وجاؤوا به إلى موسى .

وروى ابن سيرين عن عبيدة السلماني أن رجلاً كان له قرابة فقتله ليرثه ثم ألقاه على باب رجل ، ثم جاء يطلب بدمه ، فهموا أن يقتتلوا ولبس الفريقان السلاح ، فقال رجل : أتقتتلون وفيكم نبي الله ؟ فجاؤوا إلى موسى عليه الصلاة والسلام فأخبروه بذلك ، فدعا الله تعالى في ذلك أن يبيِّن لهم المخرج من ذلك ، فأوحى الله تعالى إليه ، فأخبرهم بذلك وقال : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فتضربوه ببعضها ، يعني بعض أعضاء تلك البقرة فيحيا ، فيخبركم من قتله { قَالُواْ } : يا موسى ، { أَتَتَّخِذُنَا هزوا } ؟ قرأ عاصم في رواية حفص برفع الزاي بغير همز ، وقرأ حمزة بسكون الزاي مع الهمزة ، وقرأ الباقون بالهمز ورفع الزاي . ومعناه أتتخذنا سخرية ، يعني أتسخر بنا يا موسى ؟ فإن قيل : ألم يكن هذا القول منهم كفراً ، حيث نسبوه إلى السخرية ؟ قلنا : الجواب أن يقال قد ظهر عندهم علامات نبوته وعلموا أن قوله حق ، ولكنهم أرادوا بهذا الكشف والبيان ولم يريدوا به الحقيقة ؛ ف { وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ } لهم موسى { أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين } ، يعني أمتنع بالله . ويقال : معاذ الله أن أكون من المستهزئين .