بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَيَقُولُونَ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَٱسۡمَعۡ غَيۡرَ مُسۡمَعٖ وَرَٰعِنَا لَيَّۢا بِأَلۡسِنَتِهِمۡ وَطَعۡنٗا فِي ٱلدِّينِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَا وَٱسۡمَعۡ وَٱنظُرۡنَا لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ وَأَقۡوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (46)

قوله تعالى { مّنَ الذين هَادُواْ } أي مالوا عن الهدى . قال الزجاج : { مّنَ الذين هَادُواْ } فيه قولان : فجائز أن يكون { من } صلة ، والمعنى ألم ترَ إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب من الذين هادوا ، ويجوز أن يكون معناه من الذين هادوا قوم { يُحَرّفُونَ الكلم عَن مواضعه } أي يحرفون نعته عن مواضعه ، وهو نعت محمد صلى الله عليه وسلم { وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا } قولك { وَعَصَيْنَا } أمرك { واسمع غَيْرَ مُسْمَعٍ } منك { وراعنا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } أي يلوون لسانهم بالسب { وَطَعْناً في الدين } أي في دين الإسلام . قال القتبي : كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم إذا حدثهم وأمرهم سمعنا ، ويقولون في أنفسهم وعصينا . وإذا أرادوا أن يكلموه بشيء قالوا : اسمع يا أبا القاسم . ويقولون في أنفسهم : لا سمعت . ويقولون : { راعنا } يوهمونه في ظاهر اللفظ أنهم يريدون انظرنا حتى نكلمك بما تريد ، ويريدون به السب بالرعونة { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } أي قلباً للكلام بها { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } مكان سمعنا وعصينا { واسمع } مكان اسمع لا سمعت { وانظرنا } مكان قولهم راعنا { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ } أي وأصوب من التحريف والطعن . ثم قال تعالى : { وَلَكِن لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ } أي خذلهم الله وطردهم ، مجازاة لهم بكفرهم { فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } يعني : لا يؤمنون ، إلا بالقليل ، لأنهم لا يؤمنون بالقرآن ، ولا يؤمنون بجميع ما عندهم ، ولا بسائر الكتب ، وإنما يصدقون ببعض ما عندهم . ويقال : لا يؤمنون إلا القليل منهم ، وهم مؤمنو أهل الكتاب . ويقال : إنهم لا يؤمنون وهم بمنزلة رجل يقول : فلان قليل الخير ، يعني لا خير فيه .