بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَحَسِبُوٓاْ أَلَّا تَكُونَ فِتۡنَةٞ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٞ مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ} (71)

ثم قال : { وَحَسِبُواْ أَن لا تَكُونَ فِتْنَةٌ } يعني : ظنوا أن لا يبتلوا بتكذيبهم الرسل ، وقتلهم الأنبياء ، ويقال : ظنوا أن لا يعاقبوا ، ولا يصيبهم البلاء والشدة والقحط . ويقال : ظنوا أن قتل الأنبياء لا يكون كفراً . ويقال : ظنوا أن لا تفسد قلوبهم بالتكذيب وقتل الأنبياء . قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو : { أَن لا تَكُونَ فِتْنَةٌ } بضم النون . وقرأ الباقون بالنصب . فمن قرأ بالنصب ، بمعنى أن . ومن قرأ بالضم يعني : حسبوا أنه لا تكون فتنة . معناه : حسبوا أن فعلهم غير فاتن لهم .

ثم قال تعالى : { فَعَمُواْ وَصَمُّواْ } يعني : عموا عن الحق ، وصمّوا عن الهدى ، فلم يسمعوه ، { ثُمَّ تَابَ الله عَلَيْهِمْ } يقول : تجاوز عنهم ، ورفع عنهم البلاء ، فلم يتوبوا { ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مّنْهُمْ } ويقال : معناه تاب الله على كثير منهم ، { عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مّنْهُمْ } ويقال : من تاب الله عليهم ، يعني : بعث محمداً صلى الله عليه وسلم ليدعوهم إلى التوراة { ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ } بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم ، ويقال : { عموا وَصَمُّواْ } حين عبدوا العجل ، ثم تاب الله عليهم بعدما قتلوا سبعين ألفاً وهذا على جهة المثل . يعني : لم يعملوا بما سمعوا ، ولم يعتبروا بما أبصروا ، فصاروا كالعمي والصمي .

ثم قال : { والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } بقتلهم الأنبياء وتكذيبهم الرسل يعني : عليم بمجازاتهم .