بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓ إِذۡ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٖ مِّن شَيۡءٖۗ قُلۡ مَنۡ أَنزَلَ ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِۦ مُوسَىٰ نُورٗا وَهُدٗى لِّلنَّاسِۖ تَجۡعَلُونَهُۥ قَرَاطِيسَ تُبۡدُونَهَا وَتُخۡفُونَ كَثِيرٗاۖ وَعُلِّمۡتُم مَّا لَمۡ تَعۡلَمُوٓاْ أَنتُمۡ وَلَآ ءَابَآؤُكُمۡۖ قُلِ ٱللَّهُۖ ثُمَّ ذَرۡهُمۡ فِي خَوۡضِهِمۡ يَلۡعَبُونَ} (91)

قوله تعالى :

{ وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ } يعني : ما عظّموا الله حق عظمته ، وما عرفوه حق معرفته . نزلت في مالك بن الضيف خاصمه عمر في النبي صلى الله عليه وسلم أنه مكتوب في التوراة . فغضب وقال : { مَا أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مّن شَيْء } وكان رئيس اليهود . فعزلته اليهود عن الرئاسة بهذه الكلمة . قال مقاتل : نزلت هذه الآية بالمدينة ، وسائر السور بمكة . ويقال : إن هذه السورة كلها مكية . وكان مالك بن الضيف خرج مع نفر إلى مكة معاندين ليسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء ، وقد كان اشتغل بالنعم ، وترك العبادة ، وسمن . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بمكة . فقال له رسول الله : « أَنْشدكَ الله أَتَجِدُ في التَّوْراةِ أنَّ الله يُبْغِضُ الحَبْرَ السَّمِين » ؟ قال : نَعَمْ قال : « فَأَنْتَ الحَبْرُ السَّمِينُ فَقَدْ سَمِنْتَ مِنْ مَأْكَلَتِكَ » فضحك به القوم فخجل مالك بن الضيف وقال : ما أنزل الله على بشر من شيء فبلغ ذلك اليهود فأنكروا عليه . فقال : إنه قد أغضبني . فقالوا : كلما غضبت قلت بغير حق وتركت دينك ؟ فأخذوا الرياسة منه وجعلوها إلى كعب بن الأشرف فنزلت هذه الآية { وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ } حيث جحدوا تنزيله { إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مّن شَيْء } يعني : على رسول من كتاب .

{ قُلْ } يا محمد { مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذي جَاء بِهِ موسى } وهو التوراة { نُوراً } يعني : ضياء { وهدى } يعني : بياناً { لِلنَّاسِ } من الضلالة { تَجْعَلُونَهُ قراطيس } يقول : تكتبونه في الصحف { تُبْدُونَهَا } يقول : تظهرونها في الصحف { وَتُخْفُونَ كَثِيراً } يعني : تكتمون ما فيه صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وآية الرجم ، وتحريم الخمر .

{ وَعُلّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ } يعني : علمتم أنتم وآباؤكم في التوراة ما لم تعلموا . ويقال : { علمتم } على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم فإن أجابوك وإلا ف { قُلِ الله } أنزله على موسى { ثُمَّ ذَرْهُمْ } إن لم يصدقوك { فِي خَوْضِهِمْ } يعني : في باطلهم { يَلْعَبُونَ } يعني : يلهون ويفترون قرأ ابن كثير وأبو عمرو { وَيَجْعَلونه قراطيس يبدونها ويخفونها كثيراً } كل ذلك بالياء على لفظ المغايبة . وقرأ الباقون : بالتاء على معنى المخاطبة لأن ابتداء الكلام على المخاطبة .