{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا } يعني : خلقنا لجهنم كثيراً { مّنَ الجن والإنس } فإن قيل : قد قال في آية أخرى : { وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] فأخبر أنه خلق الجن والإنس لعبادته . وهاهنا يقول : خلقهم لجهنم . قيل له : قد خلقهم للأمرين جميعاً منهم من يصلح لجهنم فخلقه لها ، ومنهم من يصلح للعبادة فخلقه لها ، ولأن من لا يصلح لشيء لا يخلقه لذلك الشيء . ويقال معنى قوله : { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } يعني : إلا للأمر والنهي . ويقال : { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } يعني : إلا لكي يمكنهم أن يعبدوا ، وقد بينت لهم الطريق . ويقال : في هذه الآية تقديم وتأخير . ومعناه : ولقد ذرأنا جهنم لكثير من الجن والإنس .
ثم وصفهم فقال تعالى : { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } يعني : لا يعقلون بها . الحق كما قال في آية أخرى : { خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ وعلى سَمْعِهِمْ وعلى أبصارهم غشاوة وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ } [ البقرة : 7 ] ثم قال : { وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } يعني : الهدى { وَلَهُمْ آذان لا يسمعون بِهَا } يعني : الهدى .
ثم ضرب لهم مثلاً آخر فقال : { أُوْلَئِكَ كالأنعام } فشبههم بالأنعام لقلة رغبتهم وتغافلهم عن الحق . يعني : إنهم كالأنعام في ذهنهم لا في صورهم . لأنه ليس للأنعام إلا الأكل والشرب ، فهي تسمع ولا تعقل ، كذلك الكافر هو غافل عن الأمر والنهي والوعد والوعيد .
ثم قال : { بَلْ هُمْ أَضَلُّ } سبيلاً يعني : الكفار أخطأ طريقاً من الأنعام ، لأن الأنعام إذا عرفت أنها تركت الطريق رجعت إلى الطريق ، والكفار لا يرجعون إلى الطريق . ولأن الأنعام تعرف ربها ، والكفار لا يعرفون ربهم . ويقال : لمَّا نزلت هذه الآية { أُوْلَئِكَ كالأنعام } تضرعت الأنعام إلى ربها . فقالت : يا ربنا شبهت الكفار بنا ونحن لا ننكر وحدانيتك . فأعذر الله تعالى الأنعام . فقال : { بَلْ هُمْ أَضَلُّ } من الأنعام لأن الأنعام مطيعة لله تعالى . والكفار غير مطيعين لله تعالى .
ثم قال : { أُوْلَئِكَ هُمُ الغافلون } يعني : عن أمر الله تعالى وعما ينفعهم . قال الفقيه أبو الليث : حدثنا أبو جعفر . قال : حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن عبد الله القاري . قال : حدثنا حازم بن يحيى الحلواني . قال : حدثنا الحسين بن الأسود . قال : حدثنا أبو أسامة عن يزيد بن سنان عن أبي منيب الحمصي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خَلَقَ الله الجِنَّ ثَلاَثَةَ أصْنَافٍ صِنْفاً حَيَّاتٍ وَعَقَارِبَ وَخَشَاشَ الأَرْضِ ، وَصِنْفاً كَالرِّيحِ فِي الهَوَاءِ ، وَصِنْفَاً عَلَيْهِمُ الثَّوَابُ وَالعِقَابُ ، وَخَلَقَ الله الإنْسَ ثَلاثَةَ أصْنَافٍ صِنْفاً كَالبَهَائِمِ وَهُمُ الكُفَّارُ ، قال : قال الله تعالى : { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } إلى قوله : { أُوْلَئِكَ كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ } وَصِنْفاً آخَرَ أَجْسَادُهُم كَأَجْسَادِ بَنِي آَدَم وَأَرْوَاحُهُم كَأَرْوَاحِ الشَّيَاطِينِ ، وَصِنْفاً فِي ظِلِّ الله يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلَّهُ »
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.