بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (199)

قوله تعالى : { خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف } قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني : خذ ما أعطوك من الصدقة يعني : ما فضل من الأكل والعيال ، ثم نسخ بآية الزكاة وهذا كقوله تعالى : { يَسْألُونَكَ عَنِ الخمر والميسر قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ومنافع لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْألُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو كذلك يُبيِّنُ الله لَكُمُ الآيات لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } [ البقرة : 219 ] يعني : الفضل { وأمر بالعرف } يعني : ادعهم إلى التوحيد { وَأَعْرِض عَنِ الجاهلين } أي من جهل عليك مثل أبي جهل وأصحابه ، وكان ذلك قبل أن يؤمر بالقتال . ويقال : { خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف } يعني : اعف عمن ظلمك واعط من حرمك وصل من قطعك .

قال الفقيه أبو الليث : حدثنا عن الشعبي الخليل بن أحمد . قال : حدثنا الديبلي . قال : حدثنا أبو عبيد الله وحدثنا سفيان عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لما نزلت هذه الآية { خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف وَأَعْرِض عَنِ الجاهلين } سأل عنها جبريل . فقال جبريل : حتى أسأل العالم ، فذهب ثم أتاه ، فقال : يا محمد إن الله تعالى يأمرك أن تَصِل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عن من ظلمك . وقال القتبي في قول النبي : صلى الله عليه وسلم « أُوتِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ » فإن شئت أن تعرف ذلك فتدبر في هذه الآية كيف جمع له في هذا كل خلق عظيم ، لأن في أخذ العفو صلة القاطعين ، والصفح عن الظالمين ، وإعطاء المانعين ، وفي الأمر بالمعروف تقوى الله ، وصلة الأرحام ، وغض البصر ، وفي الإعراض عن الجاهلين الحلم ، وتنزيه النفس عن مماراة السفيه ، وعن منازعة اللجوج ، وإنما سمي المعروف معروفاً لأن كل نفس تعرفه وكل قلب يطمئن إليه .