الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (199)

{ خُذِ الْعَفْوَ } قال مجاهد : يعني العفو من أخلاق الناس وأعمالهم بغير تخميس .

قال ابن الزبير : ما أنزل الله تعالى هذه الآية إلاّ في أخلاق الناس .

وقال ابن عباس والسدي والضحاك والكلبي : يعني ماعفا لك من أموالهم وهو الفضل من العيال والكل فما أتوك به عفواً فخذه ولا تسألهم ما ذرأ ذلك .

وهذا قبل أن ينزل فريضة الصدقات . ولما نزلت آية الصدقات نسخت هذه الآية وأمر بأخذها منهم طوعاً وكرهاً { وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } أي بالمعروف . قرأ عيسى بن عمر : العُرُف ضمتين مثل الحُلُم وهما لغتان والعرف المعروف والعارفة كل خلصة حميدة فرضتها العقول وتطمئن إليها النفوس . قال الشاعر :

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه *** لا يذهب العرف بين الله والناس

قال عطاء : وأمر بالعرف يعني لا إله إلاّ الله { وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } أبي جهل وأصحابه نسختها آية السيف . ويقال " لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبرئيل : " ما هذه ؟ قال : لا أدري حتّى أسأل ، ثمّ رجع فقال : يا محمد إن ربّك يأمرك أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك " فنظم الشاعر فقال :

مكارم الأخلاق في ثلاث *** من كملت فيه فذاك الفتى

إعطاء من يحرمه ووصل من *** يقطعه والعفو عمن عليه اعتدى

قال جعفر الصادق : " أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية " .

قال النبيّ صلى الله عليه وسلم ( رحمهما الله ) . وقالت عائشة : مكارم الأخلاق عشرة : صدق الحديث . وصدق البأس في طاعة الله . وإعطاء السائل . ومكافأة الصنيع . وصلة الرحم . وأداء الأمانة . والتذمم للصاحب . والتذمم للجار وقرى الضيف ورأسهن الحياء .

أنشدنا أبو القاسم الحسن بن محمد المذكور أنشدنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، أنشدنا ابن أبي [ الدنيا ] أنشدني أبو جعفر القرشي :

كل الأمور تزول عنك وتنقضي *** إلاّ الثناء فإنه لك باق

لو أنني خُيّرتُ كل فضيلة *** ما اخترت غير مكارم الأخلاق