السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (199)

ولما بيّن تعالى أن الله هو الذي يتولاه ، وإنّ الأصنام وعابديها لا يقدرون على الإيذاء والإضرار بين ما هو المنهج القويم والصراط المستقيم في معاملة الناس بقوله تعالى : { خذ العفو } أي : اقبل الميسور من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تجسّس وذلك مثل قبول الاعتذار ، ويدخل في ذلك ترك التشديد في كل ما يتعلق بالحقوق المالية ، ويدخل فيه أيضاً التخلق مع الناس بالخلق الطيب وترك الغلظة والفظاظة ، قال تعالى : { ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك } ( آل عمران ، 159 ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ) وقال الشاعر :

خذي العفو مني تستديمي مودّتي *** ولا تنطقي في سورتي حين أغضب

وقال عكرمة : لما نزلت هذه الآية : قال عليه الصلاة والسلام : يا جبريل ما هذا ؟ قال : لا أدري حتى أسأل ، ثم رجع فقال : ( إنّ الله تعالى يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك ) { وأمر بالعرف } أي : بالمعروف قال عطاء : بلا إله إلا الله { وأعرض عن الجاهلين } أي : فلا تقابلهم بالسفه ، وذلك مثل قوله تعالى : { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } ( الفرقان ، 63 ) وذلك سلام المتاركة ، وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه : ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية ، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً ولا سخاباً في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ) ، وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله بعثني بمكارم الأخلاق وتمام محاسن الأفعال ) .