بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِذۡ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةٗ مِّنۡهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ لِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَيُذۡهِبَ عَنكُمۡ رِجۡزَ ٱلشَّيۡطَٰنِ وَلِيَرۡبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمۡ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلۡأَقۡدَامَ} (11)

قوله تعالى : { إِذْ يُغَشّيكُمُ النعاس } ، يقول : ألقى عليكم النوم { أَمَنَةً مّنْهُ } ، يعني أمناً من عند الله . وروى عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن عبد الله بن مسعود قال : النعاس عند القتال أمنة من الله ، وهو في الصلاة من الشيطان . قرأ نافع { يُغَشّيكُمُ النعاس } بضم الياء وجزم الغين ونصب النعاس ؛ ومعناه يُغْشِيكُمْ الله النُّعَاسَ . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { يغَشاكم } بالألف ونصب الياء وضم النعاسُ ، يعني أخذكم النعاسُ وقرأ الباقون بضم الياء وتشديد الشين ونصب النعاس ومعناه : يغشيكم الله النعاسَ أمنةً منه والتشديد للمبالغة .

ثم قال { وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السماء مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ } ، يعني بالماء من الأحداث والجنابة . { وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان } ، يعني وسوسة الشيطان وكيده . وقال القتبي : أصل الرجز العذاب ، كقوله : { فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السمآء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } [ البقرة : 59 ] ثم سمي كيد الشيطان رجزاً ، لأنه سبب العذاب . ثم قال : { وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ } ، يعني يشدد قلوبكم بالنصرة منه عند القتال ؛ { وَيُثَبّتَ بِهِ الأقدام } ، يعني لتستقر الرجل على الرمل ، حتى أمكنكم الوقوف عليه . ويقال : ويثبت به الأقدام في الحرب .