بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ} (108)

ثم قال : { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا } ، يعني : لا تصلِّ فيه أبداً ، لأنهم طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي ويصلي فيه ، لكي يتبرك بصلاته فيه ، فنهاه الله عن ذلك ونزل { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا } ثم قال : { لَّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى التقوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ } ، يعني : المسجد الذي بني على التوحيد من أول يوم . قال الأخفش : بني لوجه الله تعالى منذ أول يوم ، ويقال : بني للذكر والتكبير والتهليل وإظهار الإسلام وقهر الشرك من أول يوم بني . ثم قال : { أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ } ، يعني : أولى وأجدر أن تصلي فيه .

ثم قال : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ } ، يعني : الاستنجاء بالماء ، ويقال : { يحبون أن يتطهروا } يعني : يطهروا أنفسهم من الذنوب . وذلك أن ناساً من أهل قباء كانوا إذا أتوا الخلاء ، استنجوا بالماء وهم أول من فعل ذلك واقتدى بهم من بعدهم وروي في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بباب المسجد بعد نزول الآية وقال لمن فيه :

« إنّ الله قَدْ أحْسَنَ عَلَيْكُمْ الثَّنَاءَ فِي طَهُورِكُمْ فَبِمَ تَطَهَّرُونَ » قالوا : نستنجي بالماء ، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية ، وذلك قوله : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ والله يُحِبُّ المطهرين } .

وقال سعيد بن المسيب : المسجد الذي أسس على التقوى ، مسجد المدينة الأعظم . وعن سهل بن سعد الساعدي قال : اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى ، فقال أحدهما : هو مسجد رسول الله ، وقال الآخر : هو مسجد قباء . فذكر ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : « هُوَ مَسْجِدِي هذا » . وروي ، عن ابن عباس أنه قال : « هُوَ مَسْجِدُ قباء » .