فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ} (39)

{ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ( 39 ) }

{ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي } الباء للقسم وما مصدرية أي أقسم بإغوائك إياي واختار البيضاوي في الأعراف كونها للسببية ، ونقل كونها للقسم بصيغة التمريض لأنه وقع في مكان آخر قال فبعزتك والقصة واحدة إلا أن أحدهما إقسام بصفة ذاته ، والثاني إقسام بفعله والفقهاء قالوا الإقسام بصفات الذات صحيح ، واختلفوا في القسم بصفات الأفعال ومنهم من فرق بينهما ، ولأن جعل الإغواء مقسما به غير متعارف ، قاله الكرخي .

قلت : وإقسامه هنا بإغواء الله له لا ينافي إقسامه في موضع آخر بعزة الله التي هي سلطانه وقهره لأن الإغواء هو من جملة ما يصدق عليه العزة ، وقال أهل العراق الحلف بصفة الذات كالقدرة والعظمة والعزة يمين ، والحلف بصفة الفعل كالرحمة والسخط ليس بيمين ، قيل والأصح أن الأيمان مبنية على العرف فما تعارف الناس الحلف به يكون يمينا وما لا فلا .

وجواب القسم { لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ } أي لذرية آدم وإن لم يجر لهم ذكر للعلم بهم { فِي الأَرْضِ } أي ما داموا في الدنيا والتزيين منه إما بتحسين المعاصي لهم وإيقاعهم فيها أو بشغلهم بزينة الدنيا وحبها عن فعل ما أمرهم الله به فلا يلتفتون إلى غيرها .

{ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } أي لأضلنهم عن طريق الهدى وأوقعهم في طريق الغواية وأحملهم عليها بإلقاء الوسوسة في قلوبهم ، وذلك أن إبليس لما علم أنه يموت على الكفر غير مغفور له حرص على إضلال الخلق بالكفر وإغوائهم ، وفي الآية حجة على المعتزلة في خلق الأفعال وحملهم على التسبب عدول عن الظاهر .