فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَتَحۡسَبُهُمۡ أَيۡقَاظٗا وَهُمۡ رُقُودٞۚ وَنُقَلِّبُهُمۡ ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِۖ وَكَلۡبُهُم بَٰسِطٞ ذِرَاعَيۡهِ بِٱلۡوَصِيدِۚ لَوِ ٱطَّلَعۡتَ عَلَيۡهِمۡ لَوَلَّيۡتَ مِنۡهُمۡ فِرَارٗا وَلَمُلِئۡتَ مِنۡهُمۡ رُعۡبٗا} (18)

{ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ( 18 ) وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ( 19 ) إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ( 20 ) } .

ثم حكى سبحانه طرفا آخر من غرائب أحوالهم فقال { وتحسبهم } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل واحد { أيقاظا } جمع يقظ بكسر القاف وفتحها { وهم رقود } أي نيام وهو جمع راقد كقعود في قاعد ، قيل وسبب هذا الحسبان أن عيونهم كانت مفتحة وهم نيام . وقال الزجاج : لكثرة تقلبهم .

{ ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال } أي نقلبهم في رقدتهم إلى الجهتين لئلا تأكل الأرض أجسامهم ولحومهم ، قاله سعيد بن جبير ، وتعجب منه الإمام الرازي وقال : إن الله قادر على حفظهم من غير تقليب .

ولقائل أن يقول لا ريب في قدرة الله تعالى ولكن جعل لكل شيء سببا في أغلب الأحوال ، قاله الكرخي قيل تقلبة واحدة في كل سنة مرة في يوم عاشوراء . وقال ابن عباس : ستة أشهر على ذلك الجنب اليمين وستة أشهر على ذي الجنب الشمال وعلى هذا كان لهم تقلبتان في السنة ، وقيل كل تسع سنين . وقالت فرقة إنما قلبوا في التسع الأواخر ، وأما في الثلاثمائة فلا ، وظاهر كلام المفسرين أن التقليب من فعل الله ، و يجوز أن يكون من ملك بأمر الله فيضاف إلى الله تعالى . قاله القرطبي والأول أولى .

{ وكلبهم باسط ذراعيه } حكاية حال ماضية لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان بمعنى المضي كما تقرر في علم النحو ، أي ماد يديه . قال أكثر المفسرين : هربوا من ملكهم ليلا فمروا براع معه كلب فتبعهم ، وقيل كان لواحد منهم : قال مجاهد : اسم كلبهم قطمورا . وعن الحسن اسمه قطمير ، وقيل اسمه ريان ، وقيل صهبان قيل كان كلبا أغر . وقيل فوق القلطي ودون الكرزي ، والقلطي كلب صيني . وقيل كان أصفر ، وقيل كان أسمر اللون ، وقيل كان يضرب إلى حمرة ، وقيل كلون السماء .

قيل ليس في الجنة دواب سوى كلب أصحاب الكهف وحمار بلعم ، ولا أدري أي تعلق لهذا التدقيق والتحقيق بتفسير الكتاب العزيز وما الذي حملهم على هذا الفضول الذي لا مستند له في السمع ولا في العقل .

{ بالوصيد } قال أبو عبيد وأبو عبيدة : هو فناء الباب وكذا قال المفسرون ، وقيل العتبة ورد بأن الكهف لا يكون له عتبة ولا باب ، وإنما أراد أن الكلب موضع العتبة من البيت .

وقال ابن عباس : بالوصيد بالفناء وبالباب ، وقيل بفناء الكهف ، وقيل الصعيد والتراب ، قال بعضهم كلب أحب قوما فذكره الله معهم فكيف بنا وعندنا عقد الإيمان وكلمة الإسلام وحب النبي وآله وصحبه ، وقول الله { ولقد كرمنا بني آدم } الآية . وفي هذا تسلية وأنس للمؤمنين المقصرين عن درجات الكمال المحبين للصالحين والأنبياء والعلماء المخالطين للأولياء والأصفياء . { لو اطلعت عليهم } أي لو نضرت إليهم وهم على تلك الحالة { لوليت منهم فرارا } أي لفررت منهم هاربا { ولملئت منهم رعبا } أي خوفا وفزعا يملأ الصدر قرئ رعبا بسكون العين وضمها وسبب الرعب الهيبة التي ألبسهم الله إياها . وقيل طول أظفارهم وشعورهم وعظم أجرامهم ووحشة مكانهم ، وذكر المهدوي والنحاس والزجاج والقشيري ، ويد فعه قوله تعالى : { لبثنا يوما أو بعض يوم } فإن ذلك يدل على أنهم لم ينكروا من حالهم شيئا ولا وجدوا من أظفارهم وشعورهم ما يدل على طول المدة ، وقيل لأن أعينهم كانت منفتحة كالمتيقظ . وقيل إن الله منعهم بالرعب حتى لا يراهم أحد .

قال ابن عطية : والصحيح في أمرهم أن الله عز وجل حفظ لهم الحالة التي ماتوا عليها لتكون لهم ولغيرهم فيهم آية ، فلم يبل لهم ثوب ولم تتغير لهم صفة ، ولم ينكر الناهض إلى المدينة إلا معالم الأرض والبناء ، ولو كانت في نفسه حالة ينكرها لكانت عليهم أهم . ذكره القرطبي .