فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ءَاتُونِي زُبَرَ ٱلۡحَدِيدِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا سَاوَىٰ بَيۡنَ ٱلصَّدَفَيۡنِ قَالَ ٱنفُخُواْۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَعَلَهُۥ نَارٗا قَالَ ءَاتُونِيٓ أُفۡرِغۡ عَلَيۡهِ قِطۡرٗا} (96)

{ آتوني } أي أعطوني وناولوني { زبر الحديد } جمع زبرة كغرفة وغرف وهي القطعة ، قال الخليل : الزبرة من الحديد القطعة الضخمة ، قال الفراء : معناه آتوني بها على قدر الحجارة التي يبنى فيها فبنا بها وجعل بينها الحطب والفحم { حتى إذا ساوى بين الصدفين } بفتح الحرفين وضمهما وضم الأول وسكون الثاني ، والثاني أشهر اللغات وقرئ بفتح الصاد وضم الدال .

وقال الأزهري : يقال لجانبي الجبل صدفان إذا تحاذيا لتصادفهما أي تلاقيهما وكذا قال أبو عبيدة والهروي وقد يقال لكل بناء عظيم مرتفع صدف قاله أبو عبيدة ؛ وفي البيضاوي الصدفين من الصدف وهو الميل لأن كلا منهما منعزل عن الآخر ومنه التصادف للتقابل وقال ابن عباس : الصدفين الجبلين ، وقال مجاهد : رؤوس الجبلين ، ومعنى الآية أنهم أعطوه زبر الحديد فجعل يبني بها بين الجبلين حتى ساوهما .

ثم { قال } للعملة { انفخوا } على هذه الزبر بالكيران { حتى إذا جعله } أي جعل ذلك المنفوخ فيه وهوالزبر { نارا } أي كالنار في حرها وإسناد الجعل إلى ذي القرنين مجاز لكونه الآمر بالنفخ قيل : كان يأمر بوضع طاقة من الزبر والحجارة ثم يوقد عليها الحطب والفحم بالمنافخ حتى يحمى ، والحديد إذا أوقد عليه صار كالنار ثم يؤتى بالنحاس المذاب فيفرغه على تلك الطاقة وهو معنى قوله :

{ قال آتوني أفرغ عليه قطرا } قال أهل اللغة هو النحاس الذائب وبه قال ابن عباس : والإفراغ الصب وكذا قال أكثر المفسرين ، وقالت طائفة : القطر الحديد المذاب ، وقالت طائفة أخرى منهم ابن الأنباري : هو الرصاص المذاب فدخل القطر بين زبره فصار شيئا واحدا قيل : وهذا السد معجزة عظيمة ظاهرة لأن الزبرة الكبيرة إذا نفخ عليها حتى صارت كالنار لم يقدر أحد على القرب منها والنفخ عليها لا يمكن إلا بالقرب منها فكأنه تعالى صرف تأثير تلك الحرارة العظيمة عن أبدان أولئك النافخين حتى تمكنوا من العمل فيه .