{ أولئك } خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم والإشارة إلى الأنبياء المذكورين من أول السورة إلى هنا ، وهم عشرة أولهم في الذكر زكريا وآخرهم فيه إدريس ، وهو مبتدأ وقوله : { الذين أنعم الله عليهم } صفته و { من النبيين } بيان للموصول من بيان العام بالخاص و { من ذرية آدم } بدل منه بإعادة الخافض ، وقيل ( من ) فيه للتبعيض ، يعني إدريس ونوحا .
{ وممن حملنا مع نوح } أي من ذرية من حملنا معه في السفينة ، وهم من عدا إدريس ، فإن إدريس من ذرية آدم لقربه منه ، وإبراهيم من ذرية من حمل مع نوح لأنه من ذرية سام بن نوح ، فإن إبراهيم بن آزر وبينه وبين نوح عشرة قرون كما في التحبير .
{ ومن ذرية إبراهيم } وهم الباقون { و } من ذرية { إسرائيل } وهو يعقوب ؛ وكان منهم موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى ، وفيه دليل على أن أولاد البنات من الذرية . وقيل إنه أراد بقوله من ذرية آدم إدريس وحده ، وبقوله وممن حملنا مع نوح إبراهيم وحده ، وبقوله من ذرية إبراهيم ، إسماعيل وإسحاق ويعقوب ، وبقوله إسرائيل موسى وهرون وزكريا ويحي وعيسى ، قال السدي : هذه تسمية الأنبياء الذين ذكرهم ، أما من ذرية آدم فإدريس ونوح وأما من ذرية من حمل مع نوح فإبراهيم ، وأما ذرية إبراهيم فإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، وأما ذرية إسرائيل فموسى وهرون وزكريا و يحيى وعيسى ، لأن مريم من ذريته .
{ وممن هدينا } أي من جملة من هدينا إلى الإسلام { واجتبينا } بالإيمان وقيل على الأنام وهذا آخر الصفات ، والتقدير والكائنين ممن هدينا الخ ، واعلم انه تعالى أثنى على كل واحد ممن تقدم ذكره من الأنبياء بما يخصه من الثناء ، ثم جمعهم آخرا فقال أولئك الخ ، فرتب تعالى أحوال الأنبياء الذين ذكرهم على هذا الترتيب منبها بذلك على أنهم كما فضلوا بأعمالهم فلهم منزلة في الفضل بولادتهم هؤلاء الأنبياء ، ثم بين أنهم ممن هدينا واجتبينا منبها بذلك على أنهم خصوا بهذه المنازل لهداية الله لهم ، ولأنه اختارهم للرسالة .
{ وإذا تتلى عليهم آيات الرحمان خروا سجدا وبكيا } وهذا خير لأولئك ، ويجوز أن يكون الخبر هو الذين أنعم الله عليهم ، وهذا استئناف لبيان خشوعهم لله وخشيتهم منه ، والسجد والبكيّ جمع ساجد قياسا وباك على غير قياس ، وقياسه بكاة ، كقاض وقضاة ، وقد تقدم في سبحان بيان معنى خروا سجدا ، يقال بكى يبكي بكاء وبكيا ؛ قال الخليل : إذا قصرت البكاء فهو مثل الحزن ، أي ليس معه صوت ، ومنه قول الشاعر :
بكت عيني وحق لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل
قال الزجاج : قد بين الله أن الأنبياء كانوا إذا سمعوا آيات الله بكوا وسجدوا خضوعا وخشوعا وخوفا وحذرا ، والمراد من الآيات ما خصهم به من الكتب المنزلة عليهم ، وقيل المراد بها ذكر الجنة والنار والوعد والوعيد ؛ وفيه استحباب البكاء وخشوع القلب عند سماع القرآن .
قال صالح المري : قرأت القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي يا صالح هذه القراءة فأين البكاء ؟ وفي الحديث : اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا{[1166]} . وعن ابن عباس : إذا قرأتم سجدة سبحان فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا ، فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه ، وقد استدل بهذه على مشروعية سجود التلاوة ، وهذه السجدة من عزائم سجود القرآن ، فيسن للقارئ والمستمع أن يسجد عند تلاوة هذه الآية ، وقال بعضهم : إنه الصلاة .
وقال الرازي : يحتمل أنهم عند الخوف كانوا قد تعبدوا بالسجود فيفعلوا ذلك لأجل ذكر السجود في الآية .
ولما مدح الله سبحانه هؤلاء الأنبياء بهذه الصفات ترغيبا لغيرهم في الاقتداء بهم وسلوك طريقتهم ، ذكر أضدادهم تنفيرا للناس على طريقتهم فقال :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.