للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لايستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم 273
( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ) بالغزو والجهاد ، وفيه بيان مصرف الصدقات واختاره ابن الانباري ، قال ابن عباس : هم أصحاب الصُفّة يعني فقراء المهاجرين ، كانوا نحو أربعمائة رجل لم يكن لهم بالمدينة مساكن ولا عشائر ، وكانوا يأوون إلى صفة في المسجد يتعلمون القرآن بالليل ، وهم الذين حبسوا أنفسهم على الجهاد خاصة ، وعلى طاعة الله عامة قيل منعوا عن التكسب لما هن فيه من الضعف .
( ولا يستطيعون ضربا في الأرض ) للتكسب بالتجارة والزراعة ونحو ذلك بسبب ضعفهم ، قال مجاهد : هم مهاجرو قريش بالمدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم أمروا بالصدقة عليهم ، وقال سعيد بن جبير : هم قوم أصابتهم الجراحات في سبيل الله فصاروا زمنى ، فجعل لهم في أموال المسلمين حقا وقيل كل من يتصف بالفقر وما ذكر معه .
( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ) ذكر سبحانه من صفة أولئك الفقراء ما يوجب الحنو عليهم والشفقة بهم ، وهو كونهم متعففين عن المسئلة وإظهار المسكنة بحيث يظنهم الجاهل بهم ومن لم يختبر حالهم أنهم أغنياء ، والتعفف تفعل من العفة وهو بناء مبالغة من عف عن الشئ إذا أمسك عنه وتنزه عن طلبه .
وفي " يحسبهم " لغتان فتح السين وكسرها قال أبو علي الفارسي والفتح أقيس ، لأن العين من الماضي مكسور فبابها أن تأتي في المضارع مفتوحة فالقراءة بالكسر على هذا حسنة وإن كانت شاذة " ومن " لابتداء الغاية وقيل لبيان الجنس .
( تعرفهم ) أي تعرف فقرهم ( بسيماهم ) أي برثاثة ثيابهم من الضر وصفرة ألوانهم من الجوع وضعف أبدانهم من الفقر وكل ما يشعر بالفقر والحاجة ، وقيل التواضع والخضوع ، والأول أولى ، والخطاب إما لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح للمخاطبة ، والسيما مقصورة العلامة وقد تمد وهي مقلوبة لأنها مشتقة من الوسم فهي من السمة أي العلامة .
( لا يسألون الناس إلحافا ) الإلحاف الإلحاح في المسألة وهو مشتق من اللحاف سمى بذلك لاشتماله على وجوه الطلب في المسئلة كاشتمال اللحاف على التغطية ، والمعنى أنهم لا يسألونهم البتة لا سؤال إلحاح ولا سؤال غير إلحاح ، وبه قال الطبري والزجاج وإليه ذهب جمهور المفسرين .
ووجهه أن التعفف صفة ثابتة لهم لا تفارقهم ومجرد السؤال ينافيها ، وقيل المراد أنهم إذا سألوا سألوا بتلطف ولا يلحفون في سؤالهم ، وهذا وإن كان هو الظاهر من توجه النفي إلى القيد دون المقيد لكن صفة التعفف تنافيه ، وأيضا كون الجاهل بهم يحسبهم أغنياء لا يكون إلا مع عدم السؤال البتة .
وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان ، إنما المسكين الذي يتعفف ، واقرؤا إن شئتم لا يسألون الناس إلحافا{[284]} .
وقد ورد في تحريم المسئلة أحاديث كثيرة إلا من ذي سلطان أو في أمر لا يجد منه بدا .
( وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم ) أي يعلم مقادير الإنفاق يجازي عليه وفيه حث على الصدقة والإنفاق في الطاعة لا سيما على هؤلاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.