فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَوَلَمۡ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقٗا فَفَتَقۡنَٰهُمَاۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ كُلَّ شَيۡءٍ حَيٍّۚ أَفَلَا يُؤۡمِنُونَ} (30)

{ أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ( 30 ) وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون ( 31 ) وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون ( 32 ) وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ( 33 ) وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ( 34 ) كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ( 35 ) } .

{ أو لم ير الذين كفروا } الهمزة للإنكار بواو ، وتركها قراءتان سبعيتان والواو للعطف على مقدر ، والرؤية هي القلبية أي ألم يتفكروا ولم يعلموا ، وحاصل ما ذكر من هنا إلى يسبحون ستة أدلة على التوحيد ، وهذا تجهيل لهم بتقصيرهم في التدبر في الآيات التكوينية الدالة على استقلاله تعالى بالألوهية وكون جميع ما سواه مقهورا تحت ملكوته .

{ أن السموات والأرض كانتا رتقا } قال الأخفش : إنما قال كانتا دون كنّ لأنهما صنفان أي جماعتا السموات والأرض ، وبه قال الزمخشري .

وقال أبو البقاء : الضمير يعود على الجنسين ، وقال الحوفي : أراد الصنفين كما قال سبحانه ؛ { إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا } ، وقال الزجاج : إنما قال كانتا لأنه يعبر عن السموات بلفظ الواحد لأنها كانت سماء واحدة وكذلك الأرضون . والرتق السد ضد الفتق ، يقال رتقت الفتق أرتقه فارتتق أي التأم ، ومنه الرتقاء للمنضمة الفرج ، يعني أنهما كانا شيئا واحدا ملتزقين ملتصقين .

وقال : رتقا ولم يقل رتقين لأنه مصدر والتقدير كانتا ذواتي رتق ، وقيل مرتوقتين مسرودتين .

قال البيضاوي : والكفرة وإن لم يعلموا ذلك فهم متمكنون من العلم به نظرا ، فإن الفتق عارض مفتقر إلى مؤثر واجب ابتداء أو بواسطة أو استفسارا من العلماء ومطالعة الكتب انتهى ، ومنعه الكازروني ، وقال فيه نظر وتمكنهم هذا ممنوع ، ويجوز أن يكونا مخلوقين منفصلين ؛ بلا رتق وفتق ؛ فإن استدل عليهما بأن القرآن نص عليهما فنقول هذا كاف في إثباتهما ولا حاجة إلى الدليل العقلي المذكور .

{ ففتقناهما } أي ففصلناهما أي فصلنا بعضهما من بعض بالهواء فرفعنا السماء وأبقينا الأرض مكانها ، والفتق الفصل بين الشيئين وهو من أحسن البديع هنا حيث قابل الرتق بالفتق قيل كانت السموات مرتتقة طبقة واحدة ففتقها الله وجعلها سبع سموات ، وكذلك الأرض كانت طبقة واحدة فجعلها سبع أرضين . وعن ابن عباس قال : فتقت السماء بالغيث وفتقت الأرض بالنبات .

وقد أطال الكلام القرطبي في ذلك ، ونقل عن كعب الأخبار وغيره أحوال خلق الأرض العليا والسفلى ؛ ولا يصار إليهما إلا أن يصح من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم { وجعلنا من الماء } أي خلقنا وأحيينا أو صيرنا بالماء الذي ننزله من السماء وينبع من الأرض .

{ كل شيء حي } فيشمل الحيوان والنبات ، والمعنى أن الماء سبب حياة كل شيء ، وقيل :المراد بالماء هنا نطفة الرجل وبه قال أبو العالية وأكثر المفسرين وخرج هذا اللفظ مخرج الأغلب والأكثر وهذا احتجاج على المشركين بقدرة الله سبحانه ، وبديع صنعه ، وقد تقدم تفسير هذه الآية .

{ أفلا يؤمنون } الهمزة للإنكار عليهم حيث لم يؤمنوا مع وجود ما يقتضيه من الآيات الربانية