فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (135)

والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون135 أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين136

( والذين إذا فعلوا فاحشة ) : أي فعلة فاحشة وهي تطلق على كل معصية وقد كثر اختصاصها بالزنا وأصل الفحش القبح والخروج عن الحد ( أو ظلموا أنفسهم ) باقتراف ذنب من الذنوب قيل هو ما دون الزنا مثل القبلة والمعانقة واللمس والنظر ، وقيل أو بمعنى الواو والمراد ما ذكر ، وقيل الفاحشة الكبيرة وظلم النفس الصغيرة ، وقيل غير ذلك ، قال النخعي الظلم من الفاحشة والفاحشة من الظلم .

( ذكروا الله ) : أي بألسنتهم عند الذنوب أو أخطروا في قلوبهم أو ذكروا وعده ووعيده أو جلاله الموجب للحياء منه ( فاستغفروا لذنوبهم ) أي طلبوا المغفرة لها من الله سبحانه ، وتفسيره بالتوبة خلاف لمعناه لغة .

وفي الاستفهام : ( ومن يغفر الذنوب ) من الإنكار مع ما تضمنه من الدلالة على أنه المختص بذلك سبحانه دون غيره مالا يخفى ، أي لا يغفر جنس الذنوب أحد ( إلا الله ) وفيه ترغيب لطلب المغفرة من الله سبحانه وتنشيط للمذنبين أن يقفوا في مواقف الخضوع والتذلل .

( ولم يصروا على ما فعلوا ) : أي لم يقيموا على قبيح فعلهم ولكن استغفروا وقد تقدم تفسير الإصرار والمراد به هنا العزم على معاودة الذنب وعدم الإقلاع عنه بالتوبة منه ، قال السدي في الآية : فيسكتون ولا يستغفرون .

( وهم يعلمون ) : جملة حالية أي عالمين بقبحه وأنها معصية وأن لهم ربا يغفرها ، وقيل يعلمون أن الإصرار ضار ، وقيل يعلمون أن الله يملك مغفرة الذنب ، وقيل يعلمون أن الله لا يتعاظمه العفو عن الذنوب وإن كثرت ، وقيل يعلمون أنهم إن استغفروه غفر لهم ، قاله مجاهد ، وقيل يعلمون أن تركه أولى قاله الحسن ، وقيل يعلمون المؤاخذة بها أو عفو الله عنها ، والمعاني متقاربة .

عن ابن مسعود قال إن في كتاب الله لآيتين ما أذنب عبد ذنبا فقرأهما فاستغفر الله إلا غفر له ( والذين إذا فعلوا فاحشة ) الآية ، وقوله ( من يعمل سوءا او يظلم نفسه ) الآية .

عن ثابت البناني قال بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الآية بكى ، وعن عطاف بن خالد قال بلغني أنه لما نزلت هذه الآية صاح إبليس بجنده وحثا على رأسه التراب ودعا بالويل والثبور حتى جاءته جنوده من كل بر وبحر فقالوا مالك يا سيدنا قال آية نزلت في كتاب الله لا يضر بعدها أحدا من بني آدم ذنب ، قالوا وما هي ؟ فأخبرهم قالوا نفتح لهم باب الأهواء فلا يتوبون ولا يستغفرون ولا يرون انهم على الحق فرضي منهم بذلك .

وعن أبي بكر الصديق سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم عند ذكر ذنبه فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله من ذنبه ذلك إلا غفر الله له ثم قرأ " والذين إذا فعلوا فاحشة " الآية رواه أحمد وأهل السنن الأربع وحسنه النسائي{[375]} .

وأخرج الترمذي وأبو داود والبيهقي في الشعب عن أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة{[376]} ، وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الاستغفار .


[375]:الترمذي الباب181 من كتاب الصلاة، الإمام أحمد 1/2.
[376]:الترمذي الباب106 من كتاب الدعوات – ابو داوود الباب 26 من كتاب الوتر.