فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ} (133)

وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين133 الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين134

( وسارعوا الى مغفرة من ربكم ) أي بادروا وسابقوا إلى ما يوجب المغفرة من ربكم وهي الطاعات ، قرئ سارعوا بغير واو وبالواو ، قال أبو علي كلا الأمرين سائغ مستقيم والمسارعة المبادرة ، قال ابن عباس : إلى الإسلام وعنه إلى التوبة ، وقال علي بن أبي طالب إلى أداء الفرائض ، وعن أنس بن مالك وسعيد بن جبير انها التكبيرة الأولى ، وقيل إلى الإخلاص في الأعمال . وقيل إلى الهجرة ، وقيل إلى الجهاد واللفظ مطلق فيعم الكل ولا وجه لتخصيص نوع دون نوع ، وهذا وجه من قال إلى جميع الطاعات والأعمال الصالحات .

( وجنة ) أي وسارعوا إلى جنة ، وإنما فصل بين المغفرة والجنة لأن المغفرة هي إزالة العقاب والجنة هي حصول الثواب فجمع بينهما للإشعار بأنه لا بد للمكلف من تحصيل الأمرين ، وتقديم المغفرة على الجنة كما أن التخلية متقدمة على التحلية .

( عرضها ) أي عرض الجنة ( السموات والأرض ) يعني كعرضها لأن نفس السموات والأرض ليس عرضا للجنة والمراد سعتها ، وإنما خص العرض للمبالغة لأن الطول في العادة يكون أكثر من العرض يقول هذه صفة عرضها فكيف طولها ، ومثله الآية الأخرى ( عرضها كعرض السماء والأرض ) .

وقد اختلف في معنى ذلك فذهب الجمهور إلى أنها تقرن السموات بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب ويوصل بعضها ببعض فذلك عرض الجنة ، وقيل إن هذا الكلام جاء على نهج كلام العرب من الاستعارة دون الحقيقة وذلك انها لما كانت الجنة من الاتساع والإنفساح في غاية قصوى ، حسن التعبير عنها بعرض السموات والأرض مبالغة لأنهما أوسع مخلوقات الله سبحانه فيما يعلمه عباده ، ولم يقصد بذلك التحديد كما تقول العرب : بلاد عريضة أي واسعة طويلة عظيمة ، فجعل العرض كناية عن السعة .

قال الزهري : إنما وصف عرضها فأما طولها فلا يعلمه إلا الله ، هذا على سبيل التمثيل لا أنها كالسموات والأرض لا غير بل معناه كعرضهما عند ظنكم كقوله تعالى ( خالدين فيها ما دامت السموات والأرض ) أي عند ظنكم وإلا فهما زائلتان .

وسأل ناس من اليهود عمر بن الخطاب إذا كانت الجنة عرضها ذلك فأين يكون الليل ، فقالوا إن مثلها في التوراة ومعناه انه حيث شاء الله .

وسئل أنس بن مالك عن الجنة أفي السماء ام في الأرض فقال وأي أرض وسماء تسع الجنة ، قيل فأين هي قال فوق السموات السبع تحت العرش . وقال قتادة : كانوا يرون الجنة فوق السموات السبع ، وجهنم تحت الأرضين السبع .

( أعدت للمتقين ) أي هيئت لهم ، وفيه دليل على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن وهو الحق خلافا للمعتزلة . أخرج عبد بن حميد وغيره عن عطاء ابن أبي رباح قال : قال المسلمون يا رسول الله أبنو إسرائيل كانوا أكرم على الله منا ؟ كانوا إذا أذنب أحدهم أصبح كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه ، اجدع أنفك ، اجدع أذنك افعل كذا وكذا فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت ( وسارعوا ) الآية .