فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولٗاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (79)

{ ما أصابك من حسنة } هذا الخطاب إما لكل من يصلح له من الناس أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي ما أصابك من خصب ورخاء وخير ونعمة وصحة وسلامة { فمن الله } بفضله ورحمته إحسانا منه إليك ، وتفضلا منه عليك { وما أصابك من سيئة } أي جهد وبلاء وشدة ومكروه ومشقة وأذى { فمن نفسك } أي بذنب أتيته وخطيئة اكتسبتها نفسك فعوقبت عليه ، وقيل هذا من كلام الذين لا يفقهون حديثا ، وقيل إن ألف الاستفهام مضمرة أي أفمن نفسك ومثله قوله تعالى { وتلك نعمة تمنها على } والمعنى أو تلك نعمة ومثله قوله تعالى { فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي } أي أهذا ربي .

وقد ورد في الكتاب العزيز ما يفيد هذه الآية كقوله تعالى { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } وقوله { أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم } .

وقد يظن أن قوله { وما أصابك من سيئة فمن نفسك } مناف لقوله { كل من عند الله } ولقوله { وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله } وقوله { نبلوكم بالشر والخير والفتنة } وقوله { وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال } .

وليس الأمر كذلك فالجمع ممكن فإضافة الأشياء كلها إلى الله حقيقة ، وإلى فعل العبد مجازية ، قال قتادة : حسنة أي نعمة وسيئة أي مصيبة { كل من عند الله } أي النعم والمصائب ، وعن أبي العالية قال : إن تصبهم حسنة هذه في السراء والضراء { وما أصابك من حسنة } قال : هذه في الحسنات والسيآت .

وعن ابن عباس قال : الحسنة والسيئة من عند الله ، أما الحسنة فأنعم بها عليك وأما السيئة فابتلاه بها ، وما أصابك من سيئة قال : ما أصابه يوم أحد أن شج وجهه وكسرت رباعيته .

وقد تعلق بظاهر هذه الآية القدرية وقالوا نفى الله السيئة عن نفسه ، ونسبها إلى الإنسان ولا متعلق لهم بها لأنه ليس المراد منها الكسب ، بل ما يصيب الناس من النعم والمحن ، ولو كانت على ما يقول أهل القدر لقال أصبت من حسنة وما أصبت من سيئة ولم يقل ما أصابك ، وقال ابن الأنباري : الفعلان راجعان إلى الله يعني ما أصابك الله به من حسنة ومن سيئة .

{ وأرسلناك للناس رسولا } فيه البيان لعموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الجميع كما يفيده التأكيد بالمصدر والعموم في الناس ومثله قوله { وما أرسلناك إلا كافة للناس } وقوله { يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا } وفيه جلالة منصبه ومكانته عند الله وبيان بطلان زعمهم الفاسد في حقه بناء على جهلهم بشأنه الجليل .

{ وكفى بالله شهيدا } على ذلك أو على أن الحسنة والسيئة منه ، والأول أولى ، والمعنى شهيدا على إرسالك للناس أو على تبليغك ما أرسلت به إلى الناس .