فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ فَأَخَذَتۡهُمۡ صَٰعِقَةُ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (17)

ثم ذكر حال الطائفة الأخرى فقال : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ } أي بينا لهم سبيل النجاة ، ودللناهم على طريق الحق بإرسال الرسل إليهم ، ونصب الدلالات لهم من مخلوقات الله ، وإنزال الآيات التشريعية ، فإنها توجب على كل عاقل أن يؤمن بالله ويصدق رسله .

قال الفراء معنى الآية دللناهم على مذهب الخير بإرسال الرسل . قال الشيخ أبو منصور يحتمل ما ذكر من الهداية التبيين ، وخلق الاهتداء فيهم ، فصاروا مهتدين ، ثم كفروا بعد ذلك وعقروا الناقة لأن الهدي المضاف إلى الخلق يكون بمعنى البيان والتوفيق ، وخلق فعل الاهتداء ، فأما الهدي المضاف إلى الخلق فيكون بمعنى البيان لا غير .

وقال صاحب الكشاف فيه فإن قلت أليس معنى قولك هديته جعلت فيه الهدي ؟ والدليل عليه قولك هديته فاهتدى بمعنى تحصيل البغية وحصولها ، كما تقول ردعته فارتدع فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجردة ؟ قلت للدلالة على أنه مكنهم فأزاح عللهم ، ولم يبق لهم عذر فكأنه حصل البغية فيهم بتحصيل ما يوجبها ويقتضيها اه وإنما تمحل بهذا لأنه لا يتمكن من أن يفسره بخلق الاهتداء لأنه يخالف مذهبه الفاسد .

قرأ الجمهور ثمود بالرفع ، ومنع الصرف ، وقرئ بالرفع والصرف ، وقرئ بالنصب والصرف ، وقرئ بالنصب والمنع ، فأما الرفع فعلى الابتداء وهو الفصيح وأما النصب فعلى الاشتغال ، وأما الصرف فعلى تفسير الاسم بالأب أو الحي ، وأما المنع فعلى تأويله بالقبيلة .

{ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } أي اختاروا الكفر على الإيمان قال أبو العالية اختاروا العمى على البيان ، وقال السدي اختاروا المعصية على الطاعة { فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ } قد تقدم أن الصاعقة اسم للشيء المهلك لأي شيء كان ، والهون الهوان والإهانة ، فكأنه قال أصابهم مهلك العذاب ذي الهوان أو الإهانة ، ويقال عذاب هون أي مهين كقوله { مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ } { بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } الباء للسببية أي بسبب الذي كانوا يكسبونه ، أو بسبب كسبهم وهو شركهم وتكذيبهم صالحا .