فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ} (1)

مقدمة السورة:

سورة النجم

إحدى أو اثنتان وستون آية

وهي مكية جميعها في قول الجمهور ، وعن ابن عباس وعكرمة إلا آية منها وهي قوله : { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش } الآية وقيل : إن السورة كلها مدنية ، والصحيح هو الأول .

وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما " عن ابن مسعود قال : أول سورة أنزلت فيها سجدة والنجم فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد الناس كلهم إلا رجل رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه فرأيته بعد ذلك قتل كافرا ، وهو أمية بن خلف " {[1]} ، وعنه قال : أو سورة استعلن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها والنجم .

" وعن ابن عمر قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ والنجم ، فسجد بنا وأطال السجود " .

" وعن زيد بن ثابت قال : قرأت والنجم عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسجد فيها " أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والطبراني والطيالسي وابن أبي شيبة وابن مردويه .

" وعن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في النجم بمكة ، فلما هاجر إلى المدينة تركها " وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة .

{ والنجم } هو الكوكب ، وسمي به لطلوعه ، وكل طالع نجم ، يقال : نجم السن والنبت والقرن إذا طلع ، والتعريف للجنس ، والمراد به جنس النجوم ، يعني نجوم السماء ، يعني نجوم السماء كلها حين تغرب أقسم الله بالنجوم إذا غابت وليس يمتنع أن يعبر عنها بلفظ واحد ، ومعناه جمع ، وبه قال جماعة من المفسرين ، وقيل : المراد به الثريا ، وهو اسم غلب عليها ، تقول العرب : النجم وتريد به الثريا ، وبه قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما ، وإن كانت في العدد نحو ما يقال : إنها سبعة أنجم ، ستة ظاهرة ، وواحدة خفية ، يمتحن الناس بها أبصارهم ، وفي الشفاء للقاضي عياض أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى في الثريا أحد عشر نجما ، وقيل : المراد بالنجم الشعري ، لذكرها في قوله تعالى : { وأنه هو رب الشعرى } .

وقال السدي : النجم هنا هو الزهرة لأن قوما من العرب كانوا يعبدونها وقيل : النجم هنا النبت الذي لا ساق له ، كما في قوله : { والنجم والشجر يسجدان } قاله الأخفش ، وقيل : النجم محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : النجم القرآن ، وسمي نجما لأنه نزل منجما مفرقا ، والعرب تسمي التفريق تنجيما والمفرق المنجم وبه قال مجاهد والفراء وغيرهما ، والأول أولى ، قال الحسن : المراد بالنجم النجوم إذا سقطت يوم القيامة ، وقيل : المراد بها النجوم التي ترجم بها الشياطين .

{ إذا هوى } أي إذا انصب ، أخرجه ابن جرير عن ابن عباس أو انتثر ومعنى هويه سقوطه من علو ، يقال : هوى النجم يهوي هويا إذا سقط من علو إلى أسفل ، وقيل : غروبه ، وقيل طلوعه والأول أولى ، وبه قال الأصمعي وغيره ، ويقال هوى في السير إذا مضى قال الراغب : الهوي ذهاب في انحدار وفي ارتفاع ، وقيل هوى في اللغة خرق الهواء ، ومقصده السفل أو مصيره إليه ، وإن لم يقصده ومعنى هوى ، على قول من فسر النجم بالقرآن أنه نزل من أعلى إلى أسفل ، وأما على قول من قال إنه الشجر الذي لا ساق له أو أنه محمد صلى الله عليه وسلم فلا يظهر لهوى معنى صحيح ، وفي العامل في هذا الظرف أوجه ، وعلى كل منها إشكال ذكرها السمين لا نطول الكلام بذكرها هنا .


[1]:ثم بفتح الثاء أي هناك.