فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشۡـَٔمَةِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشۡـَٔمَةِ} (9)

والكلام في قوله : { وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ؟ } كالكلام فيما تقدم ، والمراد بهم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار ، أو يأخذون صحائف أعمالهم بشمائلهم ، والمراد تعجيب السامع من حال الفريقين في الفخامة والفظاعة ، كأنه قيل فأصحاب الميمنة في نهاية السعادة وغاية حسن الحال ، وأصحاب المشأمة في نهاية الشقاوة وغاية سوء الحال ، فالاستفهام في كلا الموضعين للتعجيب ، وقال السدي : أصحاب المشأمة هم الذين كانوا عن شماله ، وقال زيد ابن أسلم : أصحاب الميمنة هم الذين أخذوا من شق آدم الأيمن ، وأصحاب المشأمة هم الذين أخذوا من شقه الأيسر ، وقال ابن جريج : أصحاب الميمنة هم أهل الحسنات ، وأصحاب المشأمة هم أهل السيئات .

وقال الحسن والربيع : أصحاب الميمنة هم الميامين على أنفسهم بالأعمال الحسنة ، وأصحاب المشأمة هم المشائيم على أنفسهم بالأعمال القبيحة ، وقال المبرد : أصحاب الميمنة أصحاب التقدم ، وأصحاب المشأمة أصحاب التأخر ، والعرب تقول : اجعلني في يمينك ولا تجعلين في شمالك ، أي اجعلني من المتقدمين ولا تجعلني من المتأخرين ، وقيل : المراد أصحاب المنزلة السنية الرفيعة ، وأصحاب المنزلة الدنية الخسيسة ، أخذا من تيامنهم بالميامن ، وتشاؤمهم بالشمائل .

أخرج أحمد عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تلا هذه الآية : { وأصحاب اليمين } { وأصحاب الشمال } ، فقبض بيديه قبضتين فقال : هذه في الجنة ولا أبالي ، وهذه في النار ولا أبالي .