فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)

{ ألم يأن للذين آمنوا ؟ } يقال أنى لك يأنى إذا حان ، أي : جاء أناه أي : وقته ، قرأ الجمهور : ألم يأن ، وقرئ ألما يأن { أن تخشع قلوبهم لذكر الله } أي ألم يحضر خشوع قلوبهم ؟ ولم يجيء وقته ؟ هذه الآية نزلت في المؤمنين ، قال الحسن : يستبطئهم وهم أحب خلقه إليه ، وقيل : إن الخطاب لمن آمن بموسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام دون محمد صلى الله عليه وسلم ، قال الزجاج : نزلت في طائفة من المؤمنين حثوا على الرقة والخشوع ، فأما من وصفهم الله بالرقة والخشوع فطبقة فوق هؤلاء ، وقال السدي وغيره : المعنى : ألم يأن للذين آمنوا في الظاهر ، وأسروا الكفر ، أن تخشع وتلين وتسكن وتخضع وتذل وتطمئن قلوبهم لذكر الله ، وسيأتي ما يقوي قول من قال : إنها نزلت في المسلمين ، والخشوع لين القلب ورقته .

والمعنى أنه ينبغي أن يورثهم الذكر خشوعا ورقة ، ولا يكونوا كمن لا يلين قلبه للذكر ، ولا يخشع له .

" عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : استبطأ الله قلوب المهاجرين بعد سبع عشرة سنة من نزول القرآن ، فأنزل الله : { ألم يأن } الآية " أخرجه ابن مردويه ، وأخرج أيضا " عن عائشة قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفر من أصحابه في المسجد وهم يضحكون فسحب رداءه محمرا وجهه فقال : أتضحكون ولم يأتكم أمان من ربكم بأنه قد غفر لكم ؟ ولقد أنزل علي في ضحككم آية { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } ؟ قالوا يا رسول الله فما كفارة ذلك ؟ قال : تبكون بقدر ما ضحكتم " .

وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجة وابن المنذر وغيرهم .

" عن ابن مسعود قال : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية { ألم يأن } الخ إلا أربع سنين "

" وعنه قال : لما نزلت هذه الآية أقبل بعضنا على بعض ، أي شيء أحدثنا أي شيء صنعنا " .

" وعن ابن عباس قال إن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن . { ألم يأن } الآية " .

" وعن عبد العزيز ابن أبي داود أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ظهر فيهم المزاح والضحك فنزلت هذه الآية { ألم يأن } الخ " .

{ وما نزل من الحق } والمراد به القرآن فيحمل الذكر المعطوف عليه على ما عداه مما فيه ذكر الله سبحانه باللسان أو خطور بالقلب وقيل : المراد بالذكر هو القرآن فيكون هذا العطف من باب عطف التفسير أو باعتبار تغاير المفهومين قرأ الجمهور نزل مشددا مبنيا للفاعل ، وقرئ على البناء للمفعول وقرئ مخففا مبنيا للفاعل وقرئ أنزل مبنيا للفاعل { ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل } قرأ الجمهور بالتحتية على الغيبة جريا على ما تقدم ، وقرئ على الخطاب التفاتا ، والمعنى النهي لهم أن يسلكوا سبيل اليهود والنصارى ، الذين أوتوا التوراة والإنجيل من قبل نزول القرآن .

{ فطال عليهم الأمد } أي طال عليهم الزمان بينهم وبين أنبيائهم ، قرأ الجمهور الأمد بتخفيف الدال ، وقرئ بتشديدها ، أي الزمن الطويل ، وقيل : المراد به على الأولى الأجل والغاية ، يقال أمد فلان كذا أي غايته { فقست قلوبهم } بذلك السبب فلذلك حرفوا وبدلوا فنهى الله سبحانه أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يكونوا مثلهم ، وعن أبي بكر أن هذه الآية قرئت بين يديه ، وعنده قوم من أهل اليمامة فبكوا بكاء شديدا ، فنظر إليهم فقال : هكذا كنا حتى قست القلوب .

{ وكثير منهم فاسقون } أي خارجون عن الطاعة الله ، لأنهم تركوا العمل بما أنزل إليهم ، وحرفوا وبدلوا ، ولم يؤمنوا بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم وقيل : هم الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، وقيل : هم الذين ابتدعوا الرهبانية وهم أصحاب الصوامع .