فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الممتحنة هي ثلاث عشرة آية وهي مدنية .

قال القرطبي : في قول الجميع ، قال ابن عباس : نزلت بالمدينة ، وعن ابن الزبير مثله ، والممتحنة بكسر الحاء اسم فاعل أي المختبرة أضيف الفعل إليها مجازا كما سميت براءة المبعثرة والفاضحة ، لكشفها عن عيوب المنافقين وعلى هذا فالإضافة بيانية أي السورة الممتحنة ، وقيل : بفتح الحاء اسم مفعول إضافة إلى المرأة التي فيها ، وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، لقوله سبحانه : { فامتحنوهن ، الله أعلم بإيمانهن } . وهي امرأة عبد الرحمن بن عوف والدة إبراهيم بن عبد الرحمن ، وعلى هذا فليست الإضافة بيانية ، والمعنى سورة المرأة المهاجرة التي نزلت فيها آية الامتحان .

بسم الله الرحمن الرحيم :

{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ( 1 ) إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون ( 2 ) لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير ( 3 ) } .

{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } قال المفسرون : نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى مشركي قريش يخبرهم بمسير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إليهم ، وسيأتي ذكر القصة ، وأضاف سبحانه العدو إلى نفسه تعظيما لجرمهم وتغليظا فيه ، والعدو وصف يطلق على الواحد والاثنين والجماعة والآية تدل على النهي عن موالاة الكفار بوجه من الوجوه ، وفيه دليل على أن الكبيرة لا تسلب اسم الإيمان .

{ تلقون إليهم بالمودة } أي توصلون إليهم المودة على أن الباء زائدة أو هي سببية ، والمعنى تلقون إليهم أخبار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بسبب المودة التي بينكم وبينهم ، وقال الزجاج : تلقون إليهم أخبار ( صلى الله عليه وسلم ) وسره بالمودة التي بينكم وبينهم ، والجملة في محل نصب على الحال من ضمير تتخذوا ، ويجوز أن تكون مستأنفة لقصد الإخبار بما تضمنته ، أو لتفسير موالاتهم إياهم ، أو في محل نصب صفة لأولياء وجملة : { وقد كفروا بما جاءكم من الحق } في محل نصب على الحال من فاعل تلقون ، أو من فاعل لا تتخذوا ، ويجوز أن تكون مستأنفة لبيان حال الكفار .

قرأ الجمهور بما جاءكم بالموحدة ، وقرئ لما جاءكم باللام أي لأجل ما جاءكم من الحق على حذف المكفور به ، أي كفروا بالله والرسول لأجل ما جاءكم من الحق ، أي دين الإسلام ، والقرآن ، أو على جعل ما هو سبب للإيمان سببا للكفر توبيخا لهم { يخرجون الرسول وإياكم } مستأنفة لبيان كفرهم أو حالية وقدم الرسول عليهم تشريفا له ، وقد استدل به من يجوز انفصال الضمير مع القدرة على اتصاله ، إذ كان يجوز أن يقال : يخرجونكم والرسول .

{ أن تؤمنوا بالله ربكم } تعليل للإخراج ، أي يخرجونكم لأجل إيمانكم أو كراهة أن تؤمنوا { إن كنتم خرجتم } من مكة { جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي } جواب الشرط محذوف ، أي أن كنتم كذلك فلا تلقوا إليهم بالمودة ، فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ، وانتصاب جهادا وابتغاء على العلة أي إن كنتم خرجتم للجهاد في سبيلي ، ولأجل ابتغاء مرضاتي ، أو حال كونكم مجاهدين ومبتغين .

{ تسرون إليهم بالمودة } مستأنفة للتقريع والتوبيخ ، أي تسرون إليهم الأخبار بسبب المودة ، وقيل : هي بدل من قوله : { تلقون } ، ثم أخبر سبحانه بأنه لا يخفى عليه من أحوالهم شيء فقال : { وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم } أي بما أضمرتم في صدوركم ، وما أظهرتم وأعلنتم بألسنتكم ، والجملة في محل نصب على الحال ؛ والباء في بما زائدة يقال : عملت كذا وعملت بكذا هذا على أن أعلم مضارع ، وقيل : هو أفعل تفضيل ، أي أعلم من كل واحد بما تخفون وما تعلنون .

{ ومن يفعله منك فقد ضل سواء السبيل } أي من يفعل ذلك الاتخاذ لعدوي وعدوكم أولياء ، ويلقي إليهم بالمودة فقد أخطأ طريق الحق والصواب وضل عن قصد السبيل .