النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَإِن كَادُواْ لَيَسۡتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ لِيُخۡرِجُوكَ مِنۡهَاۖ وَإِذٗا لَّا يَلۡبَثُونَ خِلَٰفَكَ إِلَّا قَلِيلٗا} (76)

قوله عز وجل : { وإن كادوا ليستفزونَك مِنَ الأرض ليخرجوك منها } في قوله : { ليستفزّونك } وجهان :أحدهما : يقتلونك ، قاله الحسن . الثاني : يزعجونك باستخفافك ، قاله ابن عيسى . قال الشاعر :

يُطِيعُ سَفِيهَ القوْمِ إذ يَسْتَفِزُّهُ  ***   ويعْصِي حَكِيماً شَيَّبَتْهُ الْهَزَاهِزُ

وفي قوله : { ليخرجوك منها } أربعة أقاويل :أحدها : أنهم اليهود أرادوا أن يخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ، فقالوا : إن أرض الأنبياء هي الشام وإن هذه ليست بأرض الأنبياء ، قاله سليمان التيمي . الثاني : أنهم قريش هموا بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قبل الهجرة ، قاله قتادة . الثالث : أنهم أرادوا إخراجه من جزيرة العرب كلها لأنهم قد أخرجوه من مكة . الرابع : أنهم أرادوا قتله ليخرجوه من الأرض كلها ، قاله الحسن .

{ وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً } يعني بعدك ، قال خلْفك وخلافك وقد قرئا جميعاً بمعنى بعدك ، ومنه قول الشاعر :

عَفَتِ الدِّيَارُ خِلاَفَها فَكَأَنَّما  ***   بَسَطَ الشَّوَاطبُ بَيْنَهُم حَصِيراً

وقيل خلفك بمعنى مخالفتك ، ذكره ابن الأنباري .

{ إلا قليلاً } فيه وجهان : أحدهما : أن المدة التي لبثوها بعده ما بين إخراجهم له إلى قتلهم يوم بدر ، وهذا قول من ذكر أنهم قريش . الثاني : ما بين ذلك وقتل بني قريظة وجلاء بني النضير ، وهذا قول من ذكر أنهم اليهود .